تدريس الروبوتيك في الابتدائي.. فرصة حقيقية لتجويد نظام التعليم بالمغرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يدعو المقال إلى إدماج تدريس الروبوتيك في التعليم الابتدائي بالمملكة المغربية كخطوة استراتيجية لمواكبة السباق التكنولوجي العالمي. كما يبرز أهمية تعليم الروبوتيك في اكتساب جل الكفايات المستهدفة لدى الأطفال المغاربة، من خلال الاستفادة من عدة تجارب عالمية سابقة. إلا أنه ورغم التحديات الجدية كنقص الموارد وضعف التكوين، لا يزال يعتبر تدريس الروبوتيك فرصة حقيقية لتحسين النظام التعليمي بالمغرب.

النص الكامل:

أضحى من المؤكد اليوم أن كافة مجتمعاتنا البشرية أصبحت تعيش الحقبة الرقمية. فانطلاقا من العصر الحجري، العصر البرونزي، العصر الحديدي، ثم العصر القديم، فالعصور الوسطى، مرورا بعصر النهضة ثم وصولا إلى العصر الحديث، فرض العصر الرقمي المعاصر تحولا عميقا في المجتمعات، بل أعاد تحديد الأولويات التعليمية. هكذا نجد أنه من المنطقي الآن أن يحتل الروبوتيك مكانا مركزيا من بين المهارات الأساسية للقرن الحادي والعشرين.

ففي جميع أنحاء العالم، ودعنا نقل في البلدان المتقدمة، يتم دمج تعليم الروبوتيك في المناهج التعليمية لتحفيز التفكير النقدي والإبداع والمهارات التكنولوجية. أما في السياق المغربي، فيمثل إدخال الروبوتات في المدارس الابتدائية فرصة واعدة لملاءمة نظامنا التعليمي مع المعايير العالمية في إطار الاستجابة للتحديات المحلية، بل الجيوستراتيجية بتعبير أكثر دقة.

على وجه التحديد، فقد ظهر تعليم الروبوتات في الولايات المتحدة الأمريكية كفكرة أولية في ستينيات القرن الماضي، ثم جاءت بعدها أولى محاولات التسويق التجاري لتعليم الروبوتيك من خلال مبادرات رائدة حينها مثل استخدام مجموعات LEGO Mindstorms، أي تم دمج فكرة اللعبة الدانمركية التعليمية الليغو بالبرمجة. هذه الوصفة التقنو-بيداغوجية كانت الخطوة الحقيقية الأولى للانتقال من المعرفة العالمة أي علم الروبوتيك، إلى المعرفة المُدرَّسة.

الآن، نستطيع الجزم أن عديد الدول المتقدمة، مثل اليابان وفنلندا وكندا، قد أدركت بالفعل أن التعليم المبكر للروبوتيك لم يعد ترفا أو بذخا تربويا يقتصر على التعلم في بعده الفني فقط، بل أضحى يشتمل أيضًا على كافة الكفايات المستعرضة كالكفايات الاستراتيجية والمنهجية… مما سيعزز قدرات التلاميذ المغاربة في العمل الجماعي وحل المشكلات والتفكير النقدي.

حاليا، يتم دمج التعلمات الرقمية في المدارس الابتدائية بالمغرب في سياق بدأ فيه نظامنا التعليمي بتنزيل إصلاحات نوعية لإدخال المهارات البرمجية في المناهج المدرسية كبرنامج سكراتش. ومع ذلك، لا يزال تدريس الروبوتات أمرا هامشيا، يقتصر أساسا على بعض المدارس الخاصة أو بعض المراكز المتخصصة على قلتها. أما من وجهة نظر تربوية موضوعية، فالسكراتش وعلى أهميته الكبيرة، يبقى محتوى تعليميا محسوسا، فين حين أن الروبوتيك، يمثل بالفعل المستوى الملموس، الذي يشكل مدخلا ضروريا للاستيعاب لدى متعلمي المدرسة الابتدائية.

بالتأكيد، نواجه اليوم العديد من التحديات التي تعيق تعميم تدريس الروبوتيك في المملكة، ولاسيما نقص الموارد، خاصة في المناطق القروية. يضاف إلى ذلك الحاجة إلى تكوين الأساتذة، أولا من أجل تطوير تدريس الروبوتيك بطريقة تفاعلية وفارقية. وثانيا من أجل تأهيلهم المستقبلي للتعلم الذاتي بغية مواكبة مستجدات ديدكتيك الروبوتيك المتسارعة.

وفي كل الأحوال، فالجزء الممتلئ من الكأس لازال يشير لنا بوضوح إلى فرص كبيرة وناشئة لتدريس الروبوتيك بالمغرب، خاصة أن الطفل المغربي يبدي ميولات كبيرة لاستعمال التكنولوجيا كالهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية. فمن خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، خصوصا شركات التكنولوجيا المغربية سيصبح بالإمكان توفير المعدات وعدة تداريب مناولاتية لائقة. كما أن تنفيذ نماذج تجريبية أولية في بعض المدارس المغربية العمومية، من شأنه أن يجعل من الممكن تقييم تأثير هذا التدريس وتطوير الاستراتيجيات تبعا لذلك. إلا أنه يتوجب قبل كل هذا، دمج الروبوتيك في خطط التعليم الاستراتيجية بالمملكة، لكي نتوفر على إطار قانوني واضح.

وباستحضار تجارب سابقة لدول اختارت ضم تدريس الروبوتيك في مناهجها التعليمية، مثل اليابان التي أدمجت تعليم الروبوتيك في مدارسها منذ سنوات، حيث ساهمت هذه المبادرات في تحسين قدرة الطلاب على الإبداع والتفوق الدراسي. كما أن النموذج الكندي، من خلال مشاريع محلية مثل “Canada Learning Code”، بين لنا أن تدريس البرمجة والروبوتيك من شأنه أن يثمر أجيالاً قادرة على التفاعل ومسايرة التطور التكنولوجي العالمي.

إنا نرى من زاوية نظر تربوية خالصة، أن دمج الروبوتيك في التعليم الابتدائي بالمغرب يمثل نهجا طموحا وضروريا في الوقت نفسه، لأنه يلبي مطلبا وطنيا مزدوجا: إعداد الشباب للمستقبل التكنولوجي، وملاءمة نظامنا التعليمي مع أفضل وأحدث الممارسات التربوية والتعليمية العالمية. وعلى الرغم من وجود جملة من التحديات الجدية، إلا أنه يمكن التغلب عليها من خلال الشراكات الاستراتيجية والرؤية التعليمية المتبصرة.

وبالتالي، يمكن لتعليم الروبوتيك أن يصبح مدخلا واعدا للتحول نحو مغرب أكثر تفردا على المستوى المغاربي. بعبارة مباشرة وأكثر وضوحا، فمن خلال استثمار استراتيجي وجدي في تعليم الروبوتيك، يمكن للمغرب أن يضع نفسه كقائد إقليمي في التعليم الرقمي، وبالتالي تعزيز دوره على الساحة الدولية، وجذب المزيد من التعاون والاستثمارات في مجال التعليم، في أفق إعداد رأسمال بشري مؤهل، يمثل قاعدة أولية لصناعة تكنولوجية وطنية متقدمة.

دكتور في التربية والتكوين من جامعة محمد الخامس بالرباط. أستاذ بوزارة التربية الوطنية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق