سامح قاسم يكتب: "البوابة نيوز".. الامتنان

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
google news

في حياة الكاتب الصحفي، تكون الكلمات جسورًا تحمل الأفكار والآمال، وتنقلها إلى العالم بمزيج من الإلهام والجدية. إن هذا السعي المستمر للغوص في أعماق الواقع واستجلاء الحقائق يحتاج إلى يدٍ تُعين وقلبٍ يتّسع للنقاش والتقدير. وهنا يكمن الامتنان الذى يشعر به الكاتب نحو مؤسسته الصحفية وزملائه، أولئك الذين يرسمون معه فصول الحكاية اليومية.

حين تخطو قدما الكاتب أول مرة إلى صرح المؤسسة الصحفية، تملؤه رهبة المكان وشموخه. هو يدرك أن هذه الأرض، التي يخطو عليها، هي ساحة الأفكار والمواجهة، حيث يتجاذب الفكر مع القلم ويغزل الاثنان نسيج الحقيقة. ومع كل يوم يمر، يكتشف أن هذه المؤسسة ليست مجرد جدران ومكاتب، بل هي كيان ينبض بالحياة بفضل زملاء يملكون شغفًا لا ينضب وحماسة لا تعرف الملل.

وفي رحلته اليومية بين المقالات والتقارير، يجد الكاتب أن زملاءه هم أكثر من شركاء عمل؛ هم أسرة فكرية، كل منهم يحمل رؤية فريدة. هناك من يضيف لمسةً إبداعية في الأسلوب، وآخر يضفي عمقًا بالتحليل والبحث. وبين هؤلاء، تترسخ فكرة أن الصحافة هي عمل جماعي يتطلب تضافر العقول والجهود. هنا، يصبح الامتنان طيفًا يمر عبر الكلمات، ويتراءى في لحظات الصمت عندما يُنصت الجميع لرأى واحد منهم، أو في تلك الابتسامة المقتضبة التي تُطلقها العيون المتعبة بعد إنجاز عمل طويل.

لا تكتمل رحلة الكاتب دون تقدير للمؤسسة التي تمنحه المساحة ليكون الصوت الذى يصدح في وجه الرياح. إنها الحاضنة التى تحمي استقلاليته وتمنحه القوة لمواصلة الكتابة رغم التحديات. تظل المؤسسة، بحضورها الراسخ، كالسند الذي يقف خلف كاتبها، ويشعره بأن ما يخطه قلمه ليس مجرد كلمات عابرة، بل حروف لها صدى وأثر.

وإذ يستشعر الكاتب الصحفي هذا الامتنان، يدرك أنه ليس شعورًا لحظيًّا، بل هو نبض دائم يرافق كل مقال يكتبه وكل قضية ينقلها. إنه امتنان لكل لحظة دعم ومشورة، لكل ابتسامة صادقة وملاحظة بنّاءة. في النهاية، هو امتنان يضيء مسيرته ويجعله يواصل بكل حب وشغف، مدركًا أنه جزء من منظومة تتكامل فيها الأصوات، وتبقى الحقيقة غايتها الأسمى.

إن في حياة الكاتب الصحفي لحظات تتجلى فيها معاني العرفان والتقدير، خصوصًا عندما يتأمل في مسيرته ويتذكر أولئك الذين كانوا رفقاء دربه وأعمدة يستند إليها في كل منعطف. ومن بين هؤلاء يبرز الأستاذ والصديق والكاتب الصحفي عبد الرحيم على رئيس مجلس إدارة جريدة البوابة، ذلك المعلم الذى ليس فقط يدير دفة الصحيفة بحكمة وحنكة، بل يغرس في نفوس كُتّابه شعورًا بالثقة والمسؤولية. وكما قال أحد الأدباء: "القيادة ليست فى إصدار الأوامر فحسب، بل فى أن تكون قدوة تفتح أمام الآخرين أبواب الإبداع."

منذ أن وطأت قدماى هذه الصحيفة، كان الأستاذ عبد الرحيم علي هو الضوء الذى يضيء دربونا وسط زحام الحروف والأفكار. بصرامته الحكيمة وابتسامته المشجعة، كان دائمًا هناك ليشير إلى مكامن القوة ويُنبّه إلى مواطن الضعف، دون أن يُشعرنا يومًا بأن الفشل نهاية المطاف. بل كان يردد دائمًا: "الخطأ هو بداية كل تصحيح، والمهم أن نكتب بقلب ينبض بالصدق."

لا يمكنني نسيان تلك اللحظات التي شعرنا فيها بثقل الزمن وضغط المواعيد، حين كان يمر بيننا بروحه المتفائلة ويهمس لنا: "الصحافة رسالة، ومن يحمل الرسالة لا ينحني لعقبات الطريق." كانت كلماته كالريح الدافعة لأشرعتنا، تحفز فينا الأمل وتعيد إلينا عزيمتنا.

إنه ليس مجرد رئيس مجلس إدارة وتحرير للجريدة، بل رفيق الطريق الذى نلجأ إليه في لحظات الشك، ويُرشدنا في دروب الكتابة المتشعبة. كان دائما يردد أن الكتابة ليست مجرد مهنة، بل هي عهد مع القارئ، عهد يقتضى الأمانة والشجاعة. وكما قال أحد الحكماء: "الكلمة التي تكتبها هي مرآة لروحك، فإن لم تُشرق بالحق، فلن تكون إلا ظلًا باهتًا."

أشعر بالامتنان لرئيسي، ليس لأنه منحني الفرص فحسب، بل لأنه علمني أن أواجه الحياة بحروف لا تخشى الصدق وصوت لا يخاف التحديات. بفضل توجيهاته، أصبحت أرى أن الصحافة ليست مسألة صفحات تُملأ، بل قلوب تُحركها كلماتنا وتفتح لها الأفق.

وفى الختام، أتوجه إليه بكامل التقدير والعرفان، متذكرا كلماته الحية: "لا تخافوا من الحبر الذى يُهدر، فكل قطرة منه تُسهم في رسم لوحة الحقيقة التي تستحق أن تُروى".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق