كما كان متوقعًا، أو مستهدفًا، شدد «مؤتمر القاهرة الوزارى لتعزيز الاستجابة الإنسانية فى غزة» على أهمية زيادة المساعدات الإنسانية، وإيصالها بصورة فعالة ومستدامة إلى أهالى القطاع، بما فى ذلك الغذاء والماء، والإمدادات الطبية، والوقود والمأوى. كما ألقى الضوء على حاجة القطاع إلى استراتيجية قوية للتعافى المبكر، يتم تطبيقها بمجرد أن تسمح الظروف بذلك، وبما يمهد الطريق لجهود إعادة الإعمار، طويلة المدى، بقيادة الحكومة الفلسطينية وبدعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولى.
أقيم المؤتمر، كما أشرنا تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وشاركت وفود تمثل أكثر من مائة دولة ووكالة أممية ومنظمة إقليمية ودولية حكومية وغير حكومية. وكلها، وفقًا لما عكسته النقاشات، أكدت التزامها الثابت بالاستجابة للكارثة الإنسانية الحالية فى قطاع غزة، والتخفيف من محنة الشعب الفلسطينى ووضع حد لمعاناته الشديدة، وأشارت إلى أنه لا يوجد مكان آمن فى غزة، وأن دولة الاحتلال مستمرة فى انتهاكاتها، متجاهلة النداءات العديدة التى وجهها المجتمع الدولى، وقرارات مجلس الأمن التى تطالب بنفاذ كافٍ للمساعدات الإنسانية والوقف الفورى والدائم لإطلاق النار. كما تجاهلت، أيضًا، التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية.
بالتزامن، وبعد «حوار بناء» جرى برعاية مصرية واستضافته القاهرة، اتفقت حركتا «فتح» و«حماس» على مسودة اتفاق لتشكيل «لجنة الإسناد المجتمعى»، تضم بين ١٠ و١٥ عضوًا «من الشخصيات الوطنية ذات الكفاءات والمشهود لها بالنزاهة والخبرة والشفافية»، لإدارة قطاع غزة فى اليوم التالى للحرب. ومن المقرر أن يصدر الرئيس الفلسطينى محمود عباس مرسومًا رئاسيًا بتشكيل هذه اللجنة، بعد اعتماده مسودة الاتفاق، التى نصت على أن تكون هذه اللجنة «مسئولة عن كل المجالات، الصحية والاقتصادية والتعليمية والزراعية والخدمية، وأعمال الإغاثة ومعالجة آثار الحرب والإعمار».
ولا تزال إسرائيل مستمرة فى تقييد النفاذ الإنسانى إلى قطاع غزة، وما زالت معابرها إما مغلقة أو تعمل بقدرة محدودة للغاية. كما فرضت دولة الاحتلال حصارًا فعليًا على شمال غزة ببناء جدار عازل، ما جعل المدنيين إما عالقين وغير قادرين على العودة إلى منازلهم أو محاصرين وغير قادرين على الوصول إلى الخدمات والاحتياجات الأساسية. ومع استمرار هذا الحصار، ومنع وصول المساعدات، وتهجير أكثر من ١.٩ مليون، أعرب المشاركون فى مؤتمر القاهرة عن قلقهم العميق تجاه هذا الوضع الإنسانى الكارثى، لافتين إلى حجم الدمار غير المسبوق، والخسائر الفادحة فى الأرواح، نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية الراهنة، التى تستهدف المدنيين والبنية التحتية، بما فى ذلك مرافق الأمم المتحدة وموظفوها.
عكست مناقشات المؤتمر، أيضًا، الدور المحورى والعمل البطولى للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وجميع العاملين فى المجال الإنسانى والطبى فى قطاع غزة. وأعربت الوفود عن خالص تعازيها لمن فقدوا أرواحهم، وأعادت التأكيد على أهمية تطبيق منظومة تضمن حماية العاملين فى المجال الإنسانى وحرية تنقلهم بأمان وسلامة. ومن هذا المنطلق، طالب البيان الصادر عن رئيس المؤتمر بضرورة حماية الدور المحورى الذى لا غنى عنه لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أونروا، باعتبارها أقدم وأكبر وكالة تعمل فى القطاع، وتوفر الإمدادات والخدمات الأساسية لإنقاذ أرواح الفلسطينيين. كما تناولت المناقشات الجهود المصرية على مختلف الأصعدة، وطالبت بدعم هذه الجهود. ولعلك تعرف أن مصر أرسلت، منذ بداية العدوان، نحو ٩٥ ألف طن من المساعدات الإنسانية، وقدمت الرعاية الطبية لنحو ٩٢ ألف فلسطينى، وساعدت فى إجلاء ٧٥ ألفًا من مزدوجى الجنسية ومواطنى الدول الثالثة.
.. أخيرًا، وبعد أن تقدمت بالشكر والتقدير للدول والمنظمات التى شاركت فى المؤتمر، وثمّنت دعمها السياسى وتعهداتها المالية لتعزيز الاستجابة الإنسانية فى قطاع غزة، أكدت مصر أنها ستواصل دعم الشعب الفلسطينى، ونضاله المشروع من أجل نيل حقوقه، غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه فى تقرير المصير، وتحقيق تطلعاته المشروعة فى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، ومتواصلة الأراضى وقابلة للحياة على أساس خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.
0 تعليق