عبر عبد العزيز كولوح، الكاتب العام للمجلس الأعلى للحسابات، عن استغرابه إحساس كثير من مدبري الشأن العمومي بالخوف كلما كانت هناك تحركات للمجلس أو لمجالسه الجهوية، معتبرا أن “هذا الخوف خطأ لا داعي له إلا بالنسبة لمن ارتكب جرما ماليا، كالاختلاس أو تبديد الأموال العمومية عن قصد”.
وأضاف كولوح، الذي كان يتحدث إلى نواب ونائبات الأمة خلال مناقشة الميزانية الفرعية للمحاكم المالية في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، أنه “في حال جرى اكتشاف إحدى هذه الجرائم، فإن المجلس الأعلى للحسابات يكون مبلِّغا فقط، وللمعني بها ضمانات القضاء الجنائي كاملة”، لافتا إلى أن “المجلس في هذا الصدد يطبق ما يطالب به جميع المواطنين، في المادة 151 من مجموعة القانون الجنائي: من علم بجريمة يجب أن يعلم بها”.
وأشار الكاتب العام للمجلس الأعلى للحسابات إلى أن “مدبري الشأن العمومي يتخوفون لأنهم يعتقدون أنه من المحتمل أنهم ارتكبوا جرائم مالية، وقد يتحرك المجلس ويكتشف مخالفات في بعض الوثائق، وهو أمر غير سهل البتة. فمن أصعب الحالات ضبط الفساد في الوثائق”، داعيا في هذا الصدد “إلى النظر لتدخل المحاكم المالية من الجانب الإيجابي أكثر من السلبي”.
ولرفع “اللبس القائم” حول دور المجلس الأعلى للحسابات، ذكر كولوج أن المجلس يؤكد في جميع “خرجاته التواصلية أن المتابعين أمامه ليسوا فاسدين بالضرورة؛ نظرا لأن الاختلالات التي يعاقب عليها المجلس مرتبطة باحترام النصوص والتنظيمات وقواعد حسن التسيير”، مبرزا أن “مدبر الشأن العمومي قد يقوم أحيانا بها بحسن نية، بل يكون في أحيان أخرى ملزما بالقيام بها خصوصا إذا كان سلفه قدر ارتكب أخطاء تدبيرية وخلف له وضعية صعبة”، بتعبيره.
وأوضح أن “سن الأنظمة المالية يهدف إلى تجويد التدبير العمومي، ولذلك اعتبرا المشرع أن هذه المخالفات بسيطة ولا ترقى إلى مستوى تجريمها الذي كان سيترتب عنه تهرب المواطنين من تولي المسؤولية”، مستدركا بأنه “مع ذلك، لا يجب المرور عليها مرور الكرام؛ لأن تواصلها سيجعل تسيير المرفق العمومي في مستوى لا يرقى لتطلعات المغاربة وأجهزة البلاد”.
اعتبارا لذلك، يضيف المتحدث، يعاقب “على هذه المخالفات بغرامات بسيطة القيمة غالبا تصل في حدها الأدنى 1000 درهم، باستثناء وجود ظروف التشديد، أي وجود إهمال من لدن المسؤول المعني، بحيث يعلم بوجود مشاكل معقدة في التدبير ولا يقوم باتخاذ إجراءات لحلها، فحينئذ تكون الغرامة مشددة”.
مواصلا توضيح دور المجلس الأعلى للحسابات، قال كولوح إن “الأخير ليس مؤسسة لمكافحة الفساد، فهناك مؤسسة موجودة خاصة بذلك هي الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، مبرزا أن “المجلس قد يكون مساعدا في مكافحة الفساد، حينما يكتشف بعض حالات الفساد في إطار مراقبته لتدبير المال العام”.
واستحضر المسؤول عينه، في هذا الصدد، “تساؤل الجميع في وسائل الإعلام عن دور المجلس الأعلى للحسابات في ظل وجود فساد كبير”، مبرزا أنه “لهذا السبب، كثفنا تواصلنا عبر الوسائط السمعية والبصرية واعتماد بلاغات شارحة لما ننشره وليس فقط إخبارية عنها”.
“المجلس يتعاون”
بخصوص تعاون المجلس مع باقي المؤسسات الرسمية، شدد الكاتب العام للمجلس الأعلى للحسابات على أن “هذا التعاون لا يمكن أن يتم إلا في إطار ما ينص عليه دستور المملكة، على اعتبار أن المجلس مؤسسة دستورية في نهاية المطاف”، مشيرا إلى كون “التعاون مع البرلمان ومساعدته موجود؛ إذ بإمكان لجنة مراقبة المالية العامة التي تهتم بدراسة تقارير المجلس الأعلى للحسابات أن تطلب منه استفسارات. وفي هذا الصدد، جدير بالذكر أن المجلس تجاوب مع أربعة استفسارات من مجلس النواب”.
وكشف المتحدث عن وجود إمكانية لتوسيع التعاون مع المؤسسة التشريعية؛ إذ سيكون بإمكان “كل لجنة، بصرف النظر عن تخصصها القطاعي، أن تقدم عبر مكتب مجلس النواب أو رئيسه طلبا للحصول على توضيحات بشأن تقارير مجلس الحسابات المتصلة بهذا التخصص، وتختار صيغة هذه التوضيحات، كتابية، أو شفوية من خلال اجتماعات حضورية”، مشددا مرة أخرى على أن “التجاوب يبقى بين المؤسسات، وأن يكون شكل هذا التعاون مقبولا من طرف المجلس ومن طرف البرلمان”.
منتقلا إلى التعاون مع المؤسسات القضائية، أورد الكاتب العام للمجلس الأعلى للحسابات أن “المجلس وقع بروتوكول اتفاق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة لأجل التعاون في المسائل التي فيها التقاء”، موردا على سبيل المثال أن “الشكايات المتفاعلة مع تقارير المجلس تخلق إشكالا لدى النيابة العامة التي توجهها لنا مرة أخرى”.
وزاد: “على أنه أساسا لو كنا اكتشفنا قضايا جنائية في تقرير ما خاص بنا لكنا رفعناه إلى رئاسة النيابة العامة”.
وشرح كولوح أن “كل الشكايات المرتبطة بجرائم المالية العمومية، التي لا يقدم أصحابها وثائق تقنع رئاسة النيابة العامة بالمتابعة، تتم إحالتها من قبل الأخيرة على المجلس الأعلى للحسابات لمعرفة ما إذا كان يتوفر على معطيات أخرى في هذا الصدد”، مردفا: “في هذا الإطار، نوجه رسالة رد لرسالة النيابة العامة فحواها أنه لا توجد معطيات أخرى أو لا توجد أفعال تستوجب المتابعة، أو نبرمج الرقابة في حال تبين لنا وجود مؤشرات على جرائم، أو نبرمج زيارة لتتبع توصيات في حال كانت هناك مراقبة سابقة”.
وعن مسألة التنسيق مع أجهزة الرقابة الأخرى، أوضح كولوح أنه “بين هذه الأجهزة والمجلس الأعلى للحسابات نقاط اشتراك في أساليب العمل، غير أن المقاصد مختلفة وكذلك المخرجات”، مضيفا: “مثلا، تقرير المفتشية العامة للإدارة الترابية هو خدمة لصالح الوزير، بينما الخدمة التي يقدمها المجلس هي للدولة والرأي العام والبرلمان وكافة المؤسسات، وهو، أي المجلس، ليس ملزما بمنحها لأي شخص لقضاء غرض ما بها، ولو كان الرئيس الأول”.
واستدرك المسؤول بمجلس الحسابات بأنه “ثمة تنسيق مبدئي مع المفتشية على عدم التواجد في مؤسسة معينة في وقت واحد، وتفادي ما أمكن القيام بتحركات متتابعة؛ فمدبر الشأن العمومي ليس مطالبا بالتفرغ لأجهزة الرقابة، بل للإنجاز”، لافتا إلى أن “التحرك معا في آن ليس إلا عبثا”.
وتابع موضحا: “هذا التنسيق مبدئي وليس موثقا، إذ لا يمكن للمجلس في إطار الاستقلالية القيام بتنسيق مع أجهزة رقابة تابعة للحكومة”، كاشفا “حرص مجلس المحاسبة على استقلاليته في برمجة التحركات وفي إدارة عمليات الرقابة وفي النشر”.
وبخصوص تتبع التوصيات، قال المتحدث لنواب الأمة إن هذه التوصيات “غير ملزمة ويجب أن تكون نظريا غير ملزمة؛ لأنها لا تتضمن الحقيقة المطلقة، بل منطق مدقق أو قاض حين زيارته لمؤسسة معينة يرى أن تدبيرا ما لا يتم بطريقة جيدة، ربما لو سير بطريقة معينة كان أفضل”، مردفا بأن تدخلات المجلس في هذا الصدد “تتخذ شكل حوار ومساءلة مدبر الشأن العمومي الذي يجب أن يولي أهمية لأسئلة المؤسسة، ولا يجب أن يفكر بأن القضاة يبحثون عن نقاط ضعف لمتابعته. الهدف من هذه الأسئلة هو شرح أسباب ومبررات ما يبدو لنا قرارا غير صائب نسميه اختلالا”.
0 تعليق