احتفلت جبهة البوليساريو في الثالث عشر من نونبر الجاري بما تسمى “الذكرى الرابعة لاستئناف الكفاح المسلح”، إذ أعلنت في مثل هذا اليوم من سنة 2020، وبشكل رسمي، تنصلها من اتفاق وقف إطلاق النار، تزامنًا مع عملية تأمين معبر الكركرات التي قادتها القوات المسلحة الملكية بعد تكرار محاولات ميليشيا هذا التنظيم عرقلة انسيابية حركة السلع عبر المعبر الحدودي مع موريتانيا.
ومنذ ذلك الحين تقود الجبهة ما تصفها إعلاميًا بـ”حرب الاستنزاف”، التي لا وجود لها سوى في قاموسها وبلاغاتها العسكرية اليومية التي قد يُخيل لقارئها أن البوليساريو تخوض فعلاً حربًا حقيقية متعددة الجبهات، على شاكلة الحرب في أوكرانيا أو الشرق الأوسط.
ويعتبر مهتمون أن تبني هذا التنظيم خيار “التصعيد العسكري” جاء كرد فعل على فشل معسكره في مواكبة الوتيرة التي يميل بها حل النزاع في الصحراء لصالح المغرب، مؤكدين أن السنوات الأربع الأخيرة أفرزت متغيرات عديدة، لعل أبرزها تلاشي دور البوليساريو في هذا الملف مقابل بروز دور الجزائر كمحرك وطرف رئيسي في هذا النزاع.
نتيجة حتمية للفشل
تفاعلا مع هذا الموضوع قال محمد عطيف، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، إن “الكيان الوهمي خرق، منذ عودته إلى تبني حمل السلاح على حساب العملية السياسية، اتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقع في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وهو ما يؤكد من جهة عدم جدية الأطراف الداعمة له في التوصل إلى حل سياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ما يعطي المغرب الحق في الدفاع عن سلامة أراضيه انطلاقًا من مبادئ القانون الدولي”.
وأوضح عطيف أن “العودة إلى خيار ما يسمى ‘الكفاح المسلح’ كانت نتيجة حتمية لفشل الجبهة الانفصالية على المستوى الدبلوماسي، إثر تراجع الدعم الدولي لأطروحتها، خاصة في إفريقيا منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ونجاحه في إقناع عدد من الدول بتعديل مواقفها تجاه قضية الوحدة الترابية، ثم تأمين المغرب معبر الكركرات الذي شكل تحولًا إستراتيجيًا في هذا الملف”.
وتابع المتحدث لهسبريس بأن “هذا الفشل دفع البوليساريو إلى تبني خيارات أخرى، منها الخيار العسكري الذي تروج له منذ عودتها لتبني ‘الكفاح المسلح’، مدعية انتصارات وهمية لا توجد لها أي آثار على المستويين الميداني والسياسي”، مؤكدًا أن “الجزائر تحاول في الآونة الأخيرة من خلال الجبهة جر المغرب والمنطقة نحو الحرب، وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر في هذا النزاع، وهذا أمر تعيه الرباط جيدًا”.
وشدد الباحث نفسه على أن “الأمم المتحدة يجب أن تتحمل مسؤوليتها في كبح محاولات الأطراف الأخرى زعزعة استقرار المنطقة من خلال بعض الاستفزازات التي تهدف إلى محاولة طمس المكاسب التي حققها المغرب في السنوات الأخيرة، والضغط عليه من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، خاصة آلية الموائد المستديرة التي تدعو إليها قرارات مجلس الأمن وترفضها الجزائر بمبررات واهية يفضح السلوك الدبلوماسي الجزائري زيفها”.
بروز دور الجزائر
من جهته أورد محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن “عودة البوليساريو إلى حمل السلاح مجددًا ضد المغرب في نوفمبر من العام 2020، بعد إطلاق تهديدات بشأن ذلك ولمدة طويلة، كشفت فقدان الجبهة الانفصالية أي قدرة على التأثير في الميدان، إذ لم تنجم عن هذا القرار سوى انتكاسات وهزائم مني بها طرحها، سياسيًا وعسكريًا”.
وسجل عبد الفتاح، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “العملية النوعية التي قام بها المغرب لتأمين معبر الكركرات، والتحركات نحو تأمين الحدود، ساهمت في شل قدرات عناصر البوليساريو على التحرك في الأراضي خلف الجدار؛ كما ساهمت هذه التطورات الميدانية في قلب ميزان القوى لصالح المغرب على جميع المستويات”.
وأكد الحقوقي ذاته أن “إثبات المغرب قدرته على تأمين ترابه الوطني أثر في مواقف مجموعة من القوى الدولية المتدخلة في ملف النزاع حول الصحراء، التي خرجت بمواقف جد متقدمة لصالح مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا؛ كما راجعت عدد من الدول الأخرى التي كانت تحسب على معسكر الانفصال مواقفها لصالح المغرب، أو على الأقل سحبت اعترافها بالجبهة، مثل الإكوادور في الفترة الأخيرة”.
وخلص رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان إلى أن “كل هذه التطورات أفرزت واقعًا جديدًا، وهو تجاوز دور الجبهة الانفصالية في هذا الصراع لصالح بروز دور جزائري واضح، بحيث باتت الجزائر هي التي تُصعّد ضد المغرب على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والإعلامية”.
0 تعليق