عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع سعودي فايف نقدم لكم اليوم قصة ستاد الإسكندرية مهد الأولمبياد الأول في إفريقيا (صور) - سعودي فايف
الإسكندرية- محمد البدري:
في قلب مدينة الإسكندرية، يظل ستاد الإسكندرية الدولي رمزا للتاريخ الرياضي والثقافي، إذ يحتفل بمرور 95 عاما على تأسيسه ويعد أقدم ستاد في مصر وأفريقيا.
ومنذ افتتاحه عام 1929، شهد هذا الصرح العريق العديد من اللحظات الرياضية التاريخية، واستضاف بطولات وأحداثاً رياضية هامة، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة المدينة ووجدانها، فبتصميمه الفريد الذي يمزج بين الحضارة الرومانية اليونانية والتصميم الحديث، وبنائه الذي شارك فيه مهندسون وعمال من روسيا وإيطاليا ومصر، يروي استاد الإسكندرية قصة من التعاون الدولي والإبداع الهندسي.
أول دورة ألعاب أولمبية .. بداية فكرة البناء
بدأت فكرة بناء الاستاد عام 1909 على يد أنجلو بولاناكي، مندوب مصر باللجنة الأولمبية، بهدف استضافة أول دورة للألعاب الأولمبية في مصر عام 1916، ورعى الفكرة الأمير عمر طوسون الذي تبرع بألف جنيه، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت.
اختيار الموقع.. مكان بعث الألعاب الأولمبية
وقع الاختيار على موقع إنشاء الاستاد في الحي اللاتيني وسط المدينة، نظراً لقربه من ساحة الألعاب في العصر اليوناني الروماني، والتي كانت تضم الجيمنازيوم وساحة السباق قبل 2000 سنة، ليكون بمثابة بعث فعلي للبطولة الأوليمبية لارتباط المكان بالحضارة اليونانية الرومانية.
التصميم والبناء.. مزيج من الحضارات بتعاون روسي إيطالي مصري
صمم الاستاد المهندس الروسي فالديمير نيكوسوف، ونفذت أعمال البناء شركة إيطالية بمساعدة عمال مصريين، واعتمد التصميم على دمج أشكال من الحضارة الرومانية اليونانية بالتصميم الحديث، لربط الفكرة بالألعاب الأولمبية القديمة.
بوابات الاستاد.. تصميم ملهم
بوابات الاستاد المؤدية لملعب الماراثون بُنيت على طراز أقواس النصر اليونانية الرومانية، وكان لها الأثر في تصميم الملعب الأوليمبي في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي اكتسب فكرته من بوابات استاد الإسكندرية.
ظهور علم الأوليمبياد.. لحظة تاريخية
كان استاد الإسكندرية السبب في ظهور علم شعار دورة الألعاب الأوليمبية لأول مرة في تاريخ الأوليمبياد، فعندما قرر أصحاب الفكرة بناء الاستاد سنة 1914، كان من الضروري كسب دعم الخديوي عباس حلمي الثاني، فاتفق عمر طوسون وأنجلو بولاناكي على إقامة بطولة أولمبية صغيرة بمنطقة الشاطبي بمناسبة مرور 20 عامًا على إعادة إحياء الألعاب الأولمبية آنذاك.
وجرت مخاطبة باعث الألعاب الأوليمبية الحديثة البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان، الذي أسس اللجنة الأولمبية الدولية في سنة 1894.
دعم البارون "بيير دي كوبرتان" باعث الألعاب الأوليمبية الحديثة
رحب بيير دي كوبرتان باعث الألعاب الأوليمبية الحديثة بدعم بناء ستاد الإسكندرية، وقرر أن يعطي الأفضلية لمدينة الإسكندرية بالكشف عن تصميم يظهر لأول مرة لشعار البطولة – عبارة عن علم يحمل الدوائر الخمس التي تمثل قارات العالم – وذلك لإقناع الخديوي.
أرسل البارون العلم إلى مصر لرفعه في البطولة الأولمبية الصغيرة التي حضرها في منطقة الشاطبي لدعم فكرة إنشاء الاستاد، وظل العلم في حيازة مصر حتى بداية الستينات، إلى أن أعيد مرة أخرى إلى اللجنة الأوليمبية الدولية.
التحديات والتأخير
تأخر تنفيذ إنشاء الاستاد بسبب الحرب العالمية الأولى ورحيل الخديوي عباس حلمي الثاني، وبعد انتهاء الحرب، تولى السلطان فؤاد الأول الحكم، وحاول أصحاب الفكرة إحيائها من جديد، إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية وضعف مصادر التمويل ساهمت في تأخير أعمال التنفيذ حتى عام 1925.
جمع التبرعات جهود مجتمعية
بعد نفاد الأموال التي أنفقت في تأسيس الاستاد قبل افتتاحه، اضطر القائمون على التنفيذ إلى جمع التبرعات والمساهمات المالية المتنوعة حتى بلغ إجمالي المبلغ 132 ألف جنيه مصري، فيما جُمع ربع المبلغ عن طريق اليانصيب "اللوترية"، بينما تبرع عدد من كبار رجال الدولة، ومنهم الملك فؤاد الذي قدم مبلغ 3 آلاف جنيه.
الافتتاح.. بداية متواضعة رغم أهمية الحدث
افتتح الاستاد في 17 نوفمبر 1929 ببطولة متواضعة تمثلت في مباراة بين فريقي الاتحاد السكندري والقاهرة والإسكندرية، وفاز فيها الاتحاد بنتيجة 1-0، ورغم حضور الملك فاروق الأول مراسم الافتتاح إلا أن ضآلة الحدث تركت أثرا من الإحباط في نفوس أهالي الإسكندرية والذين كانوا يطمحون في أن يكون الافتتاح على قدر قيمة البناء باستضافة بطولة تاريخية.
وكان تسبب الاستعمار الأجنبي لدول إفريقيا في تفويت فعاليات كبرى كان من المفترض أن يستضيفها ستاد الإسكندرية احتفالا بافتتاحه، من بين تلك المناسبات فشل إقامة أول بطولة في تاريخ الألعاب الإفريقية عام 1929، بعد أن مُنعت بعثات الدول الإفريقية من الحضور لمصر حتى ألغيت البطولة.
زيارات تاريخية.. شاه إيران وآخر ملوك إيطاليا
زار الاستاد عدد من الشخصيات التاريخية الشهيرة، مثل فيكتور عمانويل الثاني، آخر ملك لإيطاليا، الذي دفن في الإسكندرية ونقل رفاته قبل سنوات إلى إيطاليا، ومحمد رضا بهلوي، شاه إيران، الذي تزوج من الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق، إذ كان الاستاد مثالاً للتباهي في بلدية الإسكندرية.
الأول في إفريقيا والشرق الأوسط
حاز استاد الإسكندرية على الصدارة التاريخية في عدة جوانب، فهو أول استاد أوليمبي في إفريقيا والشرق الأوسط، وكان يوجد في مصر ملاعب مختلفة لرياضات متنوعة، إلا أنها لم تكن مصممة لاستضافة البطولات الأوليمبية.
الأثر الإسلامي والمقصورة الملكية.. تراث فريد
يضم الاستاد بين جنباته أثرًا إسلاميًا من سور الإسكندرية القديم، وهو جزء من بوابة الزهري التي تعود إلى العصر الإسلامي. كما أنه الاستاد الوحيد في مصر الذي أنشئت به مقصورة ملكية مكونة من طابقين، الأول للملك وحاشيته وضيوفه، والطابق الثاني للملكة والوصيفات.
ملعب أمريكي يقتبس تصميم بوابات الاستاد
بوابات الاستاد المؤدية لملعب الماراثون بنيت على طراز أقواس النصر اليونانية الرومانية، وكان لها الأثر في تصميم الملعب الأوليمبي في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي اكتسب فكرته من بوابات استاد الإسكندرية، والسبب في ذلك عندما زار ممثل اللجنة الأولمبية الدولية الإسكندرية أرسل خطاب توصية بتمنياته أن يخرج ملعب الأولمبياد الأمريكي بنفس الشكل الذي أبهره.
إنجازات مشرفة.. استضاف أول بطولات من نوعها
شهد الاستاد تنظيم أول بطولة لألعاب البحر المتوسط عام 1951 وأول بطولة في تاريخ الألعاب العربية عام 1953.
محطات تطويره
تقدر مساحة الاستاد بنحو 60 ألف متر مربع، وكان يسع وقت افتتاحه 25 ألف متفرج،إلا أن عمليات التجديد والتعديلات خفضت القدرة الاستيعابية إلى نحو 15 ألف متفرج، وشهد عددًا من أعمال التطوير في أعوام 1996، 2006، 2017، وآخرها عام 2019 لكأس الأمم الإفريقية.
ويظل استاد الإسكندرية شاهدا على تطور الرياضة في مصر، منذ أن طرح أنجلو بولاناكي فكرة بناء الاستاد في عام 1909، مروراً بتبرعات الأمير عمر طوسون والملك فؤاد الأول، وحتى ظهوره كأول استاد أوليمبي في إفريقيا والشرق الأوسط.
ومع تجديداته المتعددة لاستضافة بطولات مثل كأس الأمم الإفريقية، يواصل الاستاد دوره كمركز رياضي وثقافي بارز، يجمع بين عبق التاريخ وروح الحداثة.
0 تعليق