ملاحظات بالجملة كشفت عنها نقابيات وسياسيات وحقوقيات بخصوص العمل النقابي بالمغرب وموقِع النساء فيه، حيث خلصنَ إلى “استمرار عقلية الذكورية لدى النقابيين”، إلى جانب “عدم تمكين المناضلات العاملات من تمثيلية محترمة لهن على مستوى هياكل المركزيات النقابية”.
وتم استعراض هذه الملاحظات خلال ندوة نظمتها مؤسسة “الفقيه التطواني”، مساء السبت بمقرها بمدينة سلا، خُصّصتْ لإيضاح الإشكاليات التي تخص العمل النقابي النسائي، والتي تمت ضمنها الإشارةُ إلى أن “منسوب تمثيلية النساء في المؤسسات النقابية لا يوازي عدد المنخرطات بها”، مع تسجيل دعواتٍ من أجل “تغليب الكفاءة على النوع”.
نساء مضطهدات
خديجة الزومي، نائبة برلمانية ورئيسة “منظمة المرأة الاستقلالية”، أشارت إلى أن “هناك قلة في البروفايلات النقابية النسائية بالمغرب لا يزيد عددها عن 10 بروفايلات على العموم، وهن يُعرفن عالميا، على الرغم من وجود نقابات بها غالبية من المنخرطات”.
وأضافت الزومي خلال مداخلتها “ما زلنا لا نستسيغ قيادية من النساء على مستوى مناصب المسؤولية النقابية، فالنساء مضطهداتٌ على ما يبدو، فعلى سبيل المثال لا نزال نجد مصنعا يضم عاملات، لكن من يقوم بمراقبتهن رجل في نهاية المطاف”، مشيرة إلى أنه “ما إنْ تكُن لدينا قيادية نقابية حتى تصبح ذلك العدو المشترك للجميع ويجب أن تُصفّى. لكن دائما ما نطرح السؤال عما إن كان العمل النقابي اليوم في أحسن حال بالنسبة للرجال والنساء كذلك، وهو الذي صار اليوم مهددا بالتنسيقيات”.
وتابعت قائلة: “هذه الإشكاليات تبقى واقعا، ونؤمن بالاستحقاق الذي يبقى من الأولويات؛ فالعمل النقابي ضروري، كما يبقى الإنصاف هو الآخر ضروريا. هناك نساء دبّرن مناصب نقابية في الوقت الذي كان بعض النقابيين يختارون الاجتماع والتشاور بالمساء وفي أوقات متأخرة حتى لا يكون هناك حضور للنساء. ورغم المتداول هناك نساءٌ يُردن تحمل المسؤولية النقابية”.
حضور محدود
خديجة الكور، رئيسة “منظمة النساء الحركيات”، سارت هي الأخرى في الاتجاه نفسه، مشيرة إلى “محدودية حضور النساء على مستوى هياكل والمناصب القيادية للنقابات، على الرغم من حضورهن الوازن في تظاهرات النقابات، حيث إن العاملات المنضويات تحت لواء نقابات نسائية كُن قائدات لوقفات احتجاجية بطنجة، على سبيل المثال، لكن سرعان ما تم التحالف بين “الباطرونا” والدولة وبعض المركزيات النقابية”.
وفي مداخلتها أكدت الكور أنه “رغم حجم العضوية القاعدية للنساء في النقابات وتاريخهن النضالي، سواء في القطاع العام أو الخاص، يبقى ذلك ضعيفا، حيث لا يتعلق الأمر هنا بالانخراط في حد ذاته، بل بالمشاركة في الحياة النقابية فعليا ونسبةِ تمثيلية النساء في أجهزتها، وهو ما ينتج عنه تغييب قضايا النساء في برامج جل النقابات”، لافتة إلى مسألة “قلّة الثقة في النساء خلال فترة الترشيح للمناصب القيادية، وهو الأمر الذي يرتبط بنظرة المجتمع، الذي يعتبر القيادة شأنا رجاليا بامتياز”.
العقلية الذكورية
تساءلت قلوب فيطح، نائبة برلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، عن “سُبل ضمان تمثيلية نسائية على مستوى النقابات بالمغرب في ظل وجود معيقات في التمكين الاقتصادي للنساء، حيث ما زلنا في حدود 19 في المائة؛ وعاملُ ولوج النساء إلى سوق الشغل ينعكس على تمثيليتهن النقابية”، مبرزة أن “نسبة العمل النقابي للنساء لا ترقى إلى مستوى التطلعات”.
وردّتْ ذلك إلى “عدم وجود أنظمة داخلية للنقابات، واستمرار وجود من يؤمن بفكرة أن المرأة مكانها في البيت، فالعقليةُ الذكورية لا تزال مهيمنة؛ هناك كفاءات نسائية يستحققن خوض التجارب والوصول إلى مراكز القرار”، مؤكدة أن “ضمان تمثيلية النساء سيكون رهينا بوجود مقتضيات تشريعية ونصوص قانونية تضمن ذلك”.
بدورها أدلت خديجة الرباح، عضو مكتب “الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب”، بِدلوها بخصوص الموضوع نفسها، مبرزة أنه “لا يمكن الحديث عن المساواة بدون ديمقراطية حقيقية، فأول تحدٍّ هو غياب القانون المنظم للنقابات، وغياب قانون يؤطر عملية المناصفة، فضلا عن غياب المرونة على مستوى النقابات، خصوصا فيما يتعلق بالتوقيت”.
كما لفتت الرباح إلى “ضُعف الأنشطة الموجهة للنساء من قبل النقابات، حيث تبقى في حدود الموسمية، إضافة إلى تخويف النساء من العمل النقابي وتشويه سمعتهن”، مسجلة في السياق نفسه إشكاليات أخرى، ضمنها “عدمُ وضوح الملف المطلبي للنقابات بخصوص النساء، وضعف تجاوبها مع تعرض النساء للتحرش بأماكن العمل”.
“رفضُ المسؤولية”
تعقيبا منه على ما جاء على ألسنة النقابيات المتدخلات، أوضح النقابي السابق عبد الرحيم الرماح أن “النقابي الجاد لا يميز في نهاية المطاف بين المرأة والرجل، موازاة مع كون الحركة النقابية بالمغرب ظلت منذ بروزها تناضل من أجل حقوق النساء والرجال كذلك، في وقت تتضمن مدونة الشغل مواد تخص النساء العاملات، وتبدأ من المادة 9 إلى المادة 40 وما بين المادة 143 و183 كذلك”.
وهو يعود بالذاكرة إلى تجارب سابقة قال الرماح: “كانت لدينا نساء لا يردن مناصب المسؤولية، حيث عادة ما يرتبطن بالتزاماتهن العائلية، واليوم هناك فِعلا تقدمٌ في العمل النقابي، سواء بالنسبة للنساء أو الرجال، ولم تعد هناك نظرة دونيةُ تُجاههن بعدما حدث تمييز إيجابي لصالحهن”.
وأضاف أن “ما يجب التركيز عليه هو المُناصفة في الميدان النقابي، بعيدا عن تحويل الأمر إلى صراع ثنائي بين المرأة والرجل لأن المشكل في نهاية المطاف مشكلٌ اجتماعيٌّ، وهناك مشاكل موضوعية كذلك في هذا الصدد”.
0 تعليق