تستمر الجزائر في رفض إجراء إحصاء دقيق لساكنة مخيمات تندوف (محتجزون من قبل الجيش الجزائري)، في موقف يتناقض مع ادعاءاتها المتكررة في المحافل الدولية أنها ليست طرفا في نزاع الصحراء المغربية.
وتكشف هذه المفارقة عن ازدواجية واضحة في الموقف الجزائري، إذ تتدخل الجارة الشرقية بشكل مباشر في تفاصيل النزاع وتعرقل الحلول السياسية المقترحة، بينما تدعي في المحافل الدولية أنها مجرد طرف ملاحظ؛ فيما ويرى مهتمون بملف الصحراء المغربية أن هذا التناقض يتجلى بشكل خاص في رفضها القاطع مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي حظيت بدعم دولي واسع كحل واقعي وعملي للنزاع، وفي الوقت نفسه تمنع المفوضية السامية للاجئين من القيام بواجبها الإنساني في إحصاء سكان المخيمات، ما يثير تساؤلات جدية حول الأهداف الحقيقية وراء هذا الموقف المتشدد.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير المتخصص في ملف الصحراء عصام أوجيل أن “التباين الصارخ بين الأرقام المعلنة يثير تساؤلات جوهرية، فبينما تشير التقديرات الواقعية إلى وجود ما بين 20 و30 ألف شخص تصر البوليساريو والجزائر على أرقام مضخمة تصل إلى 100 ألف شخص”، بتعبيره.
ويضيف الخبير المتخصص في ملف الصحراء في تصريح لهسبريس: “رفض الجزائر الإحصاء يتزامن مع موقفها المتشدد من مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي حظيت بإشادة دولية واسعة كحل واقعي وعملي للنزاع”، وزاد أن “المعطيات تكشف استخداما مزدوجا لملف المخيمات، الأول كورقة ضغط سياسية، والثاني للحصول على مساعدات دولية تفوق الاحتياجات الحقيقية للساكنة”.
وفي وقت تواصل الأمم المتحدة دعواتها لإجراء إحصاء شفاف تستمر الجزائر في عرقلة هذه الجهود، ما يؤكد دورها المحوري في إطالة أمد النزاع، رغم ادعائها الحياد، بحسب عصام أوجيل، مشيرا إلى أن “رفض الإحصاء وعرقلة الحل السياسي يكشفان بوضوح عن الدور الحقيقي للجزائر كطرف رئيسي في النزاع، وليس كمجرد ملاحظ كما تدعي”.
يذكر أن المغرب قدم مبادرة الحكم الذاتي في 2007 كحل سياسي شامل، لكن الجزائر تواصل رفض هذا المقترح، في موقف يتناقض مع ادعائها عدم التدخل في القضية.
وفي تطور لافت تتزايد الضغوط الدولية على الجزائر للسماح بإجراء إحصاء شفاف لسكان المخيمات المحتجزين في أراضيها من قبل الجيش. وفي هذا الصدد أكد عدد من المهتمين بملف الصحراء المغربية، في تصريحات متطابقة، أن “استمرار رفض الإحصاء يشكل انتهاكا صارخا للقوانين الدولية لحقوق اللاجئين وحماية المدنيين”.
وفي السياق نفسه يقول هشام الإبراهيمي، طالب باحث في سلك الدكتوراه متخصص في ملف الصحراء: “المفارقة أن الجزائر تصر على نفي علاقتها بالنزاع في المحافل الدولية لكنها في الوقت نفسه تتحكم في مصير المحتجزين في مخيمات تندوف، وترفض أي محاولة لتوثيق أعدادهم الحقيقية، لأنها المستفيدة الأولى من خلال نهب المساعدات الموجهة لهم”.
“تشير تقارير حقوقية دولية إلى أن تضخيم أعداد سكان المخيمات يرتبط مباشرة بحجم المساعدات الإنسانية، إذ يتم تحويل جزء كبير من هذه المساعدات إلى قنوات أخرى، ما يفاقم معاناة السكان الحقيقيين، لافتة إلى أن البعض يطالبون بالعودة إلى بلادهم الأم المغرب، لكن كل من أعلن هذا المطلب يواجه التعذيب ومصيرا مجهولا”، يقول الإبراهيمي.
وأكد الطالب ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “رفض الجزائر مبادرة الحكم الذاتي المغربية يكشف عن أجندة سياسية تتجاوز مجرد الاهتمام بحقوق السكان”، مضيفا أن “المبادرة المغربية، التي وصفها مجلس الأمن بالجدية والواقعية، تقدم حلا يضمن الكرامة والحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”.
وأردف المتحدث ذاته: “حان الوقت لكي يتخذ المجتمع الدولي موقفا أكثر حزما تجاه هذا الملف، فلا يمكن الاستمرار في تجاهل معاناة المحتجزين في المخيمات لحسابات سياسية ضيقة”، مستحضرا في هذا التصريح قول الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 49 للمسيرة الخضراء: “لقد حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته”.
0 تعليق