وسط البيوت البسيطة في قرية بمحافظة سوهاج، بزغت قصة استثنائية لفتاة تحدت الصعاب وتركت بصمتها الملهمة، صابرين رمضان، فتاة ولدت دون ذراعين، لكنها نجحت في تحويل الإعاقة من عائق إلى دافع لتحقيق أحلامها.
قصتها ليست مجرد تفاصيل شخصية، بل رسالة تحمل معاني الإصرار والأمل في مواجهة التحديات.
نشأة مختلفة.. وبداية التحدي
منذ اللحظات الأولى لولادتها، أدركت أسرة صابرين أنها أمام تحدٍ مختلف، فالعيش دون ذراعين يبدو مستحيلًا لأي شخص، لكن صابرين أثبتت العكس، حيث بدأت طفولتها بمواجهة واقع صعب، لكنها وجدت في أسرتها دعمًا كبيرًا، فوالدها ووالدتها أصروا على تعليمها الاعتماد على نفسها.
ومع تقدمها في العمر، لم تتقبل صابرين فكرة الاعتماد على الآخرين، وعلمت نفسها الكتابة والرسم باستخدام قدميها، وهي خطوة أدهشت كل من رآها، وتحولت قدماها إلى أدوات تعبير عن طموحاتها وأحلامها، مما جعلها تتفوق على نفسها يومًا بعد يوم.
تقول صابرين رمضان لـ"الدستور": إنني تعرضت للتنمر كثيرا منذ المرحلة الابتدائية، فلا أنسى أبدا موقف ناظرة المدرسة في الابتدائية، التي طردتني من المدرسة، وأخذت الكتب مني وأخرجتني خارج المدرسة، وقالتلي: "متجيش تاني"، ولكن زادتني كل الأفعال إصرار وتحدي حتى التحقت بالثانوية العامة، وحصلت على مجموع 78.5%، وكنت أنتوي دخول كلية الفنون الجميلة، ولكن المجموع جعلني ألتحق بكلية الآثار، التي كان من الصعب دخولها من متحدي الإعاقة، ولكن كان توفيق الله أن يقابلني الدكتور حسان النعماني، رئيس جامعة سوهاج؛ ليتم استثنائي بعدما شاهد مهاراتي في الرسم والكتابة بالقدم".
الإصرار يقودها إلى كلية الآثار
لم يكن الطريق سهلًا، لكن شغفها بالتعلم فتح أمامها أبواب التفوق، فكانت صابرين دائمًا من بين الأوائل في مراحل تعليمها المختلفة، وهو ما أهلها للالتحاق بكلية الآثار، إحدى الكليات التي تتطلب دقة وتفانيًا.
اختيارها لدراسة الآثار لم يكن عشوائيًا؛ بل يعكس شغفها بالحفاظ على التاريخ والتراث. داخل أروقة الكلية، أصبحت رمزًا للإلهام، وأظهرت لزملائها وأساتذتها أن التفوق لا يقف عند حدود الإمكانيات الجسدية، بل يعتمد على قوة الإرادة.
الإعاقة تزيدها إصرارًا
"الإعاقة زادتني تحديًا" – بهذه الكلمات البسيطة تختصر صابرين فلسفتها في الحياة، بدلًا من أن تكون الإعاقة عائقًا أمامها، جعلتها نقطة انطلاق نحو التميز، في كل مرة تواجه فيها صعوبة، تجد وسيلة مبتكرة لتجاوزها.
تعلمت استخدام قدميها في الكتابة، تناول الطعام، وحتى ممارسة الرسم، مما جعلها محط أنظار الإعلام والمجتمع، وبفضل إرادتها الحديدية، لم تعد صابرين مصدر إلهام لأبناء قريتها فقط، بل لأصحاب الهمم في مصر كافة.
أحلام تتخطى الحدود
رغم كل ما حققته، لا تزال صابرين تحمل في جعبتها أحلامًا كبيرة، من أبرز أحلامها مقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ لتشكره على اهتمامه الكبير بأصحاب الهمم، ودعمه المتواصل لهم، وترى في هذه المقابلة فرصة؛ لإيصال صوتها ومطالبها، بتمكين المزيد من الشباب من أصحاب الهمم.
كما تحلم "صابرين" أيضًا بإكمال دراستها العليا في الآثار، والمساهمة في الحفاظ على التراث المصري؛ لتثبت أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية لحياة مليئة بالإنجازات.
رسالة أمل وعزيمة
تجاوزت صابرين رمضان الحدود الجسدية التي فرضتها الإعاقة؛ لتصبح نموذجًا حيًا للعزيمة والإرادة، فقصتها تَذكِرة بأن النجاح لا يعتمد فقط على الظروف، بل على القوة الكامنة داخل كل فرد.
وبينما تنظر صابرين إلى المستقبل، تحمل في قلبها رسالة ملهمة للعالم: "لا يوجد مستحيل أمام الإرادة"، وتواصل السير في طريقها لتحقيق المزيد من الاحلام.
0 تعليق