عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع سعودي فايف نقدم لكم اليوم «العقوبات البديلة»... تطور تشريعي في المنظومة الجزائية - سعودي فايف
في قراءة قدمها أستاذ القانون الجزائي بكلية الحقوق في جامعة الكويت د. محمد التميمي، عن مشروع قانون الإجراءات والعقوبات البديلة الذي أعدته وزارة العدل، أكد أن المشروع تطور تشريعي في المنظومة الجزائية الكويتية، واستحداث مهم للسياسة التشريعية الجزائية التي لم تخضع للتطوير الجذري منذ عام 1960، سوى بعض التعديلات البسيطة التي لم ترق إلى إعادة النظر في السياسة الجزائية الوطنية كمنظومة تشريعية متكاملة.
وقال التميمي، في قراءته، التي خص بها «الجريدة»، «لقد جاء مشروع القانون بشأن الإجراءات والعقوبات البديلة ليقلب الهرم الفلسفي لفكرة الدعوى والعقوبة الجزائية على حدٍ سواء، حيث إنه أمام قدم قانون الجزاء والإجراءات الجزائية فإن السياسة التشريعية المتبناة لم تخرج عن أطرها التقليدية النمطية، سواء بشأن مآلات التصرف بالتحقيق التي انحصرت في حفظ التحقيق أو الإحالة إلى المحكمة المختصة، أو بشأن السياسة العقابية التي تبنت النظريات التقليدية التي حصرت الردع العام والخاص في دهاليز العقوبات التقليدية وهي الإعدام والحبس والغرامة».
أكد أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد التميمي، أن مشروع العقوبات البديلة جاء متبنياً سياسة جزائية حديثة يسمو بها الإصلاح على العقاب بشأن الجانحين في الجرائم ذات الجسامة البسيطة إلى المتوسطة، والتي آثرت القوانين الجزائية المتطورة، كالقانون الفرنسي والقوانين الأوروبية الحديثة، إبقاء المجرم ذي الخطورة الإجرامية المنخفضة أو المجرم بالصدفة خارج أسوار السجون، والنأي به عن الاختلاط بعتاة المجرمين وذوي السوابق الإجرامية.
بيئة السجون
وتابع د. التميمي: «لما كانت بيئة السجون من أفضل البيئات لتبادل الخبرات الإجرامية، علاوة على ما تشكله من تكلفة مالية على الدولة من حيث الالتزامات الأساسية الملقاة عليها من مأكل ومشرب للمساجين وتوفير خدمات أمنية وطبية ولوجستية وبنى تحتية، جاءت فكرة الإجراءات والعقوبات البديلة لتتجاوز كل تلك المعضلات عبر تحقيق إجراءات الردع العام والخاص بوسيلة أكثر استحداثاً».
معالجة إصلاحية
واستطرد د. التميمي: «وإذ تشكل الإجراءات والعقوبات البديلة معالجة إصلاحية فعالة لمرتكبي الجرائم البسيطة لأول مرة دون أصحاب السوابق الإجرامية فإن العقوبات التقليدية كالحبس تظل فاعلة لعتاة المجرمين والجانحين ممن اعتادوا سلوك طريق الإجرام. وبالنظر إلى مشروع قانون الإجراءات والعقوبات البديلة الذي تقدمت به وزارة العدل فإنه احتوى على معالجتين رئيسيتين للسياسة الجزائية الإصلاحية، نوردهما بنقطتين أساسيتين:
أولاً: الإجراءات البديلة عن الدعوى الجزائية:
وأفاد بأنه نحو عدالة جزائية ناجزة وإصلاح للمتهم، قيد قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية رقم 17 لسنة 1960 سلطات جهة التحقيق (النيابة العامة – الإدارة العامة للتحقيقات) بشأن التصرف في التحقيق بين خيارين لا ثالث لهما: إما حفظ التحقيق أو إحالة الدعوى إلى المحكمة متى ما توافرت الأدلة الكافية لارتكاب المتهم للجريمة.
وأردف: «الحقيقة أن قصر خيارات التصرف بالتحقيق على ما سلف بيانه من شأنه أن يرهق مرفق القضاء في كثير من الدعاوى الجزائية ذات الجسامة البسيطة إلى المتوسطة، والتي تخلص (في بعض الأحيان) نهايتها إما إلى الحكم على المتهم بالغرامة أو بالامتناع عن النطق بالعقاب أو الحكم بالعقوبة مع وقف التنفيذ».
القوانين الجزائية
وشدد د. التميمي على أن مشروع القانون جاء أسوة بالقوانين الجزائية المستحدثة ليتيح لجهة التحقيق خياراً ثالثاً وسطاً بين حفظ التحقيق وإحالة الدعوى الجزائية إذا رأت جهة التحقيق من ظروف الجريمة أو المتهم ذاته ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام مرة أخرى، أو من تفاهة الجريمة ذاتها لتطبق إجراءات بديلة على المتهم بدلاً من الدعوى الجزائية، يلتزم من خلالها المتهم بمجموعة من الالتزامات تقترحها جهة التحقيق عليه ويوافق عليها المتهم.
الدعوى الجزائية
وأضاف د. التميمي: «سعياً من المشروع لإنجاح فكرة الإجراءات البديلة فإنها توفر للمتهم مميزات قد لا تتحقق له في حال اختار الولوج لطريق الدعوى الجزائية، حيث إن الإجراءات البديلة في حال موافقة المتهم عليها وتصديق رئيس المحكمة المختصة بنظر الدعوى لن تشكل سابقة جزائية عليه، ولن تقطعه عن وسطه الاجتماعي والأسري أو الوظيفي أيضاً، بل يلتزم بأداء بعض الالتزامات المفروضة عليه خلال مدة محددة».
وأوضح أن مشروع القانون قدم ضمانة مهمة أساسية ألا وهي إشراك القضاء في التصديق أو رفض تطبيق الإجراءات البديلة عن الدعوى الجزائية ليقول كلمته الأخيرة بالنظر إلى جسامة الجريمة وظروف ارتكابها من جهة، ومن جهة أخرى لشخصية مرتكبها، وعما اكتنفها من خطورة إجرامية من عدمه، وهو ما يضفي على الإجراء البديل الصبغة القضائية في القرار الصادر بشأنها.
وأردف: «كما قدم مشروع القانون ضمانات مهمة، سواء للمتهم أو لجهة التحقيق، فمن حيث ضمانات المتهم فقد منح المشروع للمتهم الحق في اصطحاب محاميه الخاص في كل مراحل مباشرة الإجراءات البديلة، كما ألزم جهة التحقيق عند تطبيق الإجراءات البديلة الأخذ في الاعتبار سن المتهم وجنسه، وظروفه الاجتماعية، والصحية، والعقلية».
وأما بالنسبة لضمانات جهة التحقيق في تحقيق الغرض من الإجراءات البديلة، فقد قال: «لقد منحها المشروع مكنة متابعة مدى التزام المتهم بتنفيذ الالتزامات الواقعة عليه، وقد أوقع المشروع بعض الجزاءات على المتهم سيئ النية الذي لا يتلزم بالإجراءات البديلة ومنها إلغاء الإجراءات البديلة وتحريك الدعوى الجزائية في مواجهته».
ثانياً: العقوبات البديلة: نحو سياسة عقابية إصلاحية
وبين د. التميمي، أن مشروع القانون قدم بجانب الإجراءات البديلة عن الدعوى الجزائية صورة أخرى من صور الاستحداث التشريعي الجزائي، وهي العقوبات البديلة، حيث وسع مشروع القانون للقاضي الجزائي خيارات العقاب لديه بعد أن كانت محصورة فيما سبق بين العقوبات التقليدية (إعدام – حبس – غرامة).
حجية الحكم رهن تمام التنفيذ
أشار د. محمد التميمي إلى استحداث المشروع جزئية ذات أهمية إجرائية، حيث رهن حجية الحكم الجزائي الصادر بالعقوبة البديلة بتمام تنفيذها وليس بمواعيد الطعن على الحكم ذاته، وهي معالجة مستحدثة من شأنها أن تستوعب حالات المحكوم عليه بالعقوبات البديلة «سيئ النية»، الذي يتملص من تنفيذها.الإقامة الجبرية بديلة للحبس
بين د. التميمي أن المشروع استحدث مسألة الإقامة الجبرية باعتبارها بديلاً عن عقوبة الحبس، وهي معالجة تستهدف هدفين أساسيين: الأول هو إقصاء المحكوم عليه عن الاختلاط ببقية المساجين، وحمايته من تبادل الخبرات الإجرامية، والثانية: تقليل التكلفة المالية على الدولة من إضافة نزيل جديد على المؤسسات الإصلاحية التابعة للدولة وإبقائه في وسطه الطبيعي الاجتماعي والأسري.
المراقبة الإلكترونية على نطاق واسع
أكد د. التميمي أن مشروع القانون أقر المراقبة الإلكترونية على نطاق واسع من حيث التطبيق، سواء كبديل عن الحبس الاحتياطي أو كبديل عن الدعوى الجزائية.
وتابع: «كما تدارك المشروع أن طبيعة المراقبة الإلكترونية باعتبارها وسيلة وليست غاية، لذلك أجبر المشروع متخذ القرار أن تقرن المراقبة الإلكترونية بأي إجراء بديل آخر».
قفزة نوعية وتطور تشريعي
اعتبر د. التميمي أن المشروع يشكل قفزة نوعية مميزة لدولة الكويت وتطوراً تشريعياً في السياسة الجزائية الكويتية من شأنه أن يحقق عدة غايات أساسية، أولاها: إعادة النظر في الصورة النمطية لمرتكب الجريمة البسيطة، وثانيها: تقليل التكلفة الاقتصادية الباهظة على الدولة من زيادة أعداد المدانين بالعقوبات السالبة للحرية، ثالثها: التأكيد على اهتمام الكويت بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
0 تعليق