باحثون يبتكرون "نموذجا رياضياتيا" لتثمين الموارد المائية ومواجهة الفيضانات

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رغم كون الأمطار الطوفانية الأخيرة التي شهدتها عدد من مناطق المملكة، تحديدا الجنوبية الشرقية، قد ساهمت في ترميم الفرشة المائية التي قاست لسنوات متوالية من الجفاف الحاد، إلا أن ذلك لا يلغي، وفق عدد من الباحثين في الموارد المائية، ضرورة تعزيز البنية التحتية المائية لهذه المناطق، وعموم المناطق المغربية المشمولة بأزمة الجفاف والعطش، بمنشآت مائية تكون فعالة في ضمان تجميع أكبر قدر من مياه الفيضانات ووقاية الساكنة من خسائرها.

هؤلاء الباحثون أفادوا بأنهم ابتكروا نموذجا رياضياتيا يمكن من تحديد المواقع الملائمة لبناء مثل هذه المنشآت، بعدما أكدت لهم الفيضانات الأخيرة، وقبلها فيضانات 2021 و2022 بزاكورة، تحديدا منطقة الفايجة، أن المواقع الثمانية التي خلصت دراسة علمية ميدانية بالمنطقة إلى أنها مناسبة لتجميع مياه الأمطار اعتمد فيها هذا النموذج، هي بالفعل التي تتشكل بها أكبر الأحواض المائية بعد تساقط الأمطار.

وقال هؤلاء الباحثون الذين تحدثوا لهسبريس إن هذا النموذج سوف يساهم، إذا اعتمد، في تثمين مياه الفيضانات وعدم ضياعها، وهم “مستعدون لوضع قواعد البيانات الخاصة بهذه الدراسة لدى وزارة التجهيز والماء وعموم صناع القرار من أجل كشف تفاصيل هذا النموذج، وبالتالي المساعدة في تحديد المواقع المناسبة لتشييد المنشآت المائية”.

عادل مومن، باحث في سلك الدكتوراه في الموارد المائية، قال إن “المواقع التي توصلت الدراسة إلى أنها ملائمة لتجميع مياه الأمطار، بناء على نموذج رياضياتي يضم مجموعة من القياسات الجيولوجية والهيدرولوجية والطبوغرافية إضافة إلى تحليل نظام المعلومات الجغرافية للمنطقة موضوع الدراسة، تأكد من خلال معاينتا الميدانية عقب فيضانات 2021 و2022 بالمنطقة، ثم عقب الفيضانات الكارثية في شتنبر الماضي، أنها بالفعل المناطق التي تجمعت فيها أكبر كمية من مياه الأمطار”، لافتا إلى أن “اختبار هذا النموذج الرياضياتي تطلب ست سنوات من العمل المتواصل في ميدان هذه المناطق”.

وأضاف مومن، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الهدف من تحديد هذه المواقع هو إحداث نظام فعال لتجميع مياه الأمطار وتفادي ضياعها في الصحراء، نظرا لأن المناطق المستهدفة بالدراسة المنشورة في مجلة علمية مرموقة تصنيف Q 1 ، على وجه الخصوص باتت في السنوات الأخيرة تشهد فيضانات موسمية قوية، ولكن هذه الفيضانات لا تغير شيئا من وضعيتها المائية بحيث مازالت تعيش جفافا حادا”.

وأوضح الباحث بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة أن “الأحواض المائية التي سيجري بناؤها في المواقع المحددة، ستسهم في حماية المناطق المعنية من الفيضانات الكارثية، لا سيما وأن هذه المناطق التي قاست من ظاهرة مناخية متطرفة هي الجفاف الحاد والطويل، مقبلة وفق توقعات الباحثين في علم المناخ على ظاهرة أخرى لا تقل تطرفا تتمثل في الفيضانات الكارثية”.

وأكد أنه “بفضل كون النموذج الرياضياتي الذي حدد الأماكن المناسبة لهذه الأحواض يستحضر مدى قدرة التربة على امتصاص المياه، فإن هذه المنشآت المائية سوف تكون قادرة على إبطاء سرعة مياه الفيضانات وستسمح بتسربها إلى باطن الأرض ما سيمكن من تغذية الفرشة المائية للمنطقة، وبالتالي عودة غطائها النباتي، لا سيما أشجار الأكاسيا والطلح الصحراوي الذي تراجعت مساحته بشكل كبير في السنوات الأخيرة”، وذلك “فضلا عما ستوفره من موارد مائية لتوفير الماء الصالح للشرب وسقي المزروعات وتوريد الماشية”.

وشرحت الدكتورة فاطمة الزهراء الغزالي، متخصصة في جيولوجيا المياه، أن “النموذج الرياضياتي الذي جرى توظيفه وأثبت نجاحه من خلال المعاينة الميدانية للمناطق المستهدفة بعد الفيضانات التي شهدتها، بني على سبعة مؤشرات أساسية؛ بحيث تم تنقيط كل موقع من هذه المناطق حسب هذه المؤشرات، والمواقع التي حازت أعلى مجموع نقاط هذه المؤشرات حٌددت أنها الأكثر ملاءمة لتجميع المياه”.

وأضافت الغزالي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه المؤشرات تهم أساسا هطول الأمطار، والشبكة الهيدروغرافية Reseau hydrographique، أي مدى مرور الوديان بالموقع من عدمه، ونسيج تربة الموقع Texture de solلمعرفة مدى قدرتها على امتصاص المياه، وكذا مؤشر تعرض المنطقة لظواهر جيولوجية مثل الزلازل سابقا، إضافة إلى مؤشر طبوغرافي يتعلق بدرجة انحدار الموقع pente، فضلا عن مدى قرب الموقع من المناطق القريبة من الساكنة أو المناطق الفلاحية، ومدى قدرة الموقع على تجميع مياه الأمطار”.

وأوضحت أنه “في الخريطة التي جرى إنجازها للمواقع المعنية، جرى تحويل نقاطها في كل مؤشر إلى ألوان حسب ارتفاع هذه النقاط أو انخفاضها”، مضيفة: “هذه الخريطة بإمكان عموم المهتمين والباحثين الاطلاع عليها في الدراسة المنشورة، إلا أن قواعد البيانات المرتبطة بها لا تتضمنها الدراسة. ونحن مستعدون لوضعها رهن إشارة وزارة التجهيز والماء من أجل توضيح الصورة أكثر ومساعدتها على بناء المنشآت المائية المطلوبة بالمواقع المحددة”.

وعدت الدكتورة المتخصصة في جيولوحيا المياه أن “الكثير من السدود، القديمة على وجه الخصوص، كسد المنصور الذهبي، شيدت في مناطق غير مناسبة ولا تضمن مستوى كبيرا من فعاليتها على مستوى تغذية الفرشة المائية فضلا عن الحد من الفيضانات”، مؤكدة بدورها أن “إغناء هذه الفرشة يتطلب بناء منشآت مائية وحواجز تسمح للمياه بأن ترشح وتتسرب إلى باطن التربة، وهو ما يستحضره النموذج سالف الذكر”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق