عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع سعودي فايف نقدم لكم اليوم تنفيسة| «نهضة إفريقيا الزراعية».. إحصائيات نحو مستقبل أفضل - سعودي فايف
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
هذا الكتاب تحفة في بابه؛ إذ يأتي في توقيت تشهد فيه اقتصاديات معظم البلدان الإفريقية ضغوطًا عالمية جسيمة تواكبها زيادات مشهودة في معدلات الفقر. وللتعامل مع التحدي العاجل، ينبغي لإفريقيا استجلاء هباتها الأرضية الطبيعية كي تشتغل الزراعة في تدعيم جهود التنمية البشرية والاقتصادية فيها. هذه الكلمة خطها البروفيسور أنتوني إي أكينلو، نائب رئيس جامعة ريديمرز بنيجيريا، اعتزازًا واجلالًا بهذه الدراسة الفذة والقوية، والسؤال الآن، عما يتحدث هذا الكتاب؟
عزيزي القارئ هذه الدراسة أعدها باللغة الإنجليزية الدكتور أيوديلي أودوسولا، تحت عنوان “Africa's Agricultural Renaissance: From Paradox to Powerhouse”. وأودوسولا متخصص في ذلك الشأن من الأبحاث والدراسات، وهو مواطن نيجيري حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة إيبادان بنيجيريا. كما انه الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في جنوب أفريقيا ومدير مركز القطاع المالي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفريقيا. وقبل ذلك، كان كبير الاقتصاديين ورئيس فريق الاستراتيجية والتحليل في المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أفريقيا (RBA)، حيث قام بتنسيق الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية في أفريقيا.
وصدرت ترجمة نسخة الكتاب العربية تحت عنوان "نهضة إفريقيا الزراعية: من بؤس التناقض إلى بَأس التعاضُد"، عن المركز القومي للترجمة في مطلع شهر نوفمبر الجاري للعام الحالي 2024م، ويقع هذا الكتاب في أربعمائة وثلاث وتسعين صفحة، قدم لنا هذه الترجمة الدكتور أسامة رسلان الأستاذ بقسم اللغة الإنجليزية وآدابها جامعة الأزهر، فكانت بمثابة جوهرة نفيسة، وسراج منير نهتدي بنوره للمساهمة في فهم واقع القارة ومستقبلها، فهذا الكتاب مهم جدًا للباحثين في مختلف المجالات: الاجتماعية – والاقتصادية – والسياسية... وغيرها.
يتكون هذا الكتاب من أربعة أبواب، الأول: الإمكانات والأداءات والدروس والتحديات الزراعية في إفريقي، والثاني: الزراعة بوصفها محرك التحول الاقتصادي والتنمية الشاملة، والثالث: دراسات حالات في إحداث التحول الزراعي من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، والرابع: نحو بناء مجتمع قوة زراعي في إفريقيا.
حيث يكشف لنا هذا الكتاب بالإحصائيات والحقائق كيفية تحقيق التقدم المنشود وإدارة تلك الثروة الزراعية بالقارة الإفريقية. وقد استعان الكتاب بتحليل تجريبي عملي من واقع البيانات الإفريقية ومن تحليل الحالات المستمدة من إحدى عشرة دولة، موزعة على إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؛ الدول الافريقية: (أثيوبيا – غانا – المغرب – وموريشيوس). الدول الأسيوية: (الصين – الهند – كوريا الجنوبية – وتايوان). الدول الأمريكية اللاتينية: (الأرجنتين – البرازيل – كوستاريكا). فرصد من ذلك أن إفريقيا تكابد فجوات تخل بالتوازن إخلالًا يكاد يجعل من المستحيل عليها بلوغ دائرة حميدة من التنمية ما لم تنعتق القارة من ماضيها.
كما استعراض الكتاب البراهين التجريبية العملية من شتى أنحاء العالم يبيّن أن الإنتاجية الزراعية تُعد عاملًا بالغ القوة في الدفع باتجاه التنويع الاقتصادي، والتوسع في نقطة التقاء القيم المضافة في النظام الإيكولوجي المؤلف من المدخلات والأرض الزراعية والمخرجات، مع إخراج العمالة من الأنشطة الزراعية إلى الأنشطة غير الزراعية، وتقليل الفقر الريفي.
وكشف لنا هذا الكتاب أن قوة الزراعة تعمل على تقليل معدلات الفقر وتفاوت الدخل في أوجها في الجزائر وبوركينا فاسو وتونس ومصر، فيما يبلغ تأثير ذروته في تقليل الفقر في جنوب إفريقيا والمغرب. كما تتسم قوة الزراعة في تقليل تفاوت الدخل بالقوة في موريتانيا وتوغو وإثيوبيا؛ علمًا بأن الجزائر وبوركينا فاسو تقدما نفسيهما ضمن الأمثلة الحميدة لاستغلال الزراعة بوصفها استراتيجية للتنمية الشاملة. وقد تيسّر تأثير الزراعة في الجزائر مثلًا عن تقليل معدلات الفقر وتفاوت الدخل عبر برامج تنمية الريف التي قدمت الدعم إلى المنتجين، أما بوركينا فاسو فقد نجحت في تقليل معدلات الفقر والتفاوت نحو عقدين بالتزامن – والفضل في ذلك للنهج الدينامي الذي اتبعته الدولة تجاه الدعم الزراعي الذي ركز في بادئ الأمر على تنمية الريف، ثم أعقبه اتباع سياسات خاصة بقطاع الزراعة.
كما أقر الكتاب بأنه لابد لإفريقيا من اكتساب الذكاء التكنولوجي والابتكاري حتى تعتمد على الزراعة بوصفها، مستقبل التنمية فيها، فتجارب التنمية في أمريكا اللاتينية (لاسيما في البرازيل والأرجنتين)، وفي آسيا والمحيط الهادي (كما في الصين وكوريا الجنوبية)، وفي إفريقيا (كما في إثيوبيا ورواندا) قد أثبتت قدرة التكنولوجيا على دفع جهود التنمية الزراعية.
وانتهى الكتاب إلى نتيجة مفاداها أن تحقيق إفريقيا الاكتفاء الغذائي والتحول إلى مصدر صاف الغذاء بحلول 2030م دون المساس بالاستدامة البيئية هو هدف ممكن. ويكمن هذا النجاح في مزيج السياسات القوية الجامع بين دور الدولة والسوق في توليد الحوافز المناسبة لصغار المزارعين؛ أي أن الدولة تتعاون مع السوق من أجل إيجاد الحوافز المناسبة؛ فيستجيب المجتمع الزراعي بالمبادرة إلى اغتنام تلك الحوافز وتعزيز المسارات والبرامج التعاونية الائتمانية الريفية الممولة بالأساس من المزارعين – وذلك عبر نهج يحرص على التعلم من التجربة.
وفي الختام، آمل بأن تقوم القيادة السياسية بدراسة الكتاب وتنفيذ ما جاء به من توصيات، فهذا الكتاب هدفه الأول البحث في أغوار ذلك النشاط الإنساني الذي يستطيع وحده أن يقلب ميزان الاقتصاد لأي دولة من دول العالم، لأن الزراعة هي عصب الحياة، ولن نبالغ إذا قلنا إنها دينامو الواقع المعاش.
0 تعليق