عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع سعودي فايف نقدم لكم اليوم سنة القطط السمان.. تجليات الهيمنة وصراع البقاء - سعودي فايف
من المتعارف عليه لدى أهل الكويت أن تسبق كلمة سنة حادثة ما يعني أن هناك تغير اجتماعي أو اقتصادي طرأ على البلاد حينها كسنة الطفحة وهي السنة التي وصلت فيها أرباح تجارة اللؤلؤ ذروتها، وسنة الهيلق التي تعرضت بها المناطق المجاورة للكويت لمجاعات ،وسنة الهدامة التي هدمت بها البيوت وتصدعت جراء سيل، وسنةالجدري وسنة الطاعون، وسنة القطط السمان والمعنون بها رواية عبد الوهاب الحمادي الصادرة عن دار الشروق للنشر والتوزيع والتي أحب أن يضيفها الحمادي لتلك السنوات.
تدور أحداث الرواية حول مساعد، وهو شاب طموح تتعدد مصادر دخله سواء من عمله مع المعتمد البريطاني فضلًا عن ميراثه عن أبيه، وميراث زوجته والمتمثل في بيت ورثته عن أسرتها التي رحلت في سنة الهدامة، وقد دفعه طموحه لمشاركة الهندستاني صاحب مطعم المشويات، لكن الصدمة تصعقه حين يتم القبض على الهندستاني بتهمة بيع لحم القطط للزبائن، فيظل عالقًا بين فقدان ماله، أو أن يعلم الجميع بمشاركته للهندستاني فيلحق به في محبسه.
هل نجح الحمادي في اختيار الصوت المناسب لروايته؟
رغم أن السرد باستخدام ضمير المخاطب أقل شيوعًا إلا أن الحمادي قد استخدمه ليجعل شخصية مساعد مفارقة لذات السارد، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه ، هل نجح الحمادي في عرض الشخصيات ووصفها عبر توظيف هذه التقنية ؟
أسهمت هذه التقنية في تعددية اللغة ، إذ أن مثول مساعد أمام صوته الداخلي عبر اللجوء إلى السرد باستخدام ضمير المخاطب، جعله في اتساق تام مع مقولة المازني " محاسبة النفس عسيرة لكنها واجبة".
وقد قاده السارد العليم لطرح كل التناقضات التي يعيشها في عالمه والتي تكيف مع بعضها، وتنافر مع بعضها، حيث شبكية الصراعات ما بين السلطة الدينية ممثلة في الملا الفالح والسلطة السياسية ممثلة في المعتمد البريطاني فضلًا عن وجوده بين مُدعٍ ومنافق وكاذب ومثقف ومضطهد، بين عالم منصور والملا الفالح وخليفة والمعتمد البريطاني والهندستاني، وزوجته سعاد وأمه.
شخوص من الواقع
ولكي يكسب الحمادي سنته سنة القطط السمان مصداقية وليلحقها بالواقع أضاف شخصيات واقعية لعالمه مثل الشاعر صقر بن سالم الشبيب، الشاعر الضرير الذي عوضه الله البصيرة عن فقدانه للبصر، وبعض الأماكن كمقبرة الصالحية، التي تم افتتاحها عام 1896م وإغلاقها عام 1960م والتي ضمت أولئك الذين شهدوا في البلاد أحداث عظيمة وتحملوا شظف العيش لكنهم صمدوا.
خواء داخلي
وقد أبرزت التشبيهات والاستعارات التي استخدمها الراوي العليم في مونولوجه مع مساعد الخوف المسيطر على مساعد ومن حوله، بالإضافة إلى القصر بالنفي والاستثناء لبيان خوائه الداخلي الذي لا يتسق مع طموحه المتأجج
" في عينيك دموع خرجت، ودموع لم تخرج، لم تضرب أحدًا في حياتك إلا في خيالك".
صراع الهيمنة
أما عن الزمان وهمينته فقد كان ممتدًا ومؤثرًا في الأحداث ومشاركًا في تشابكها لتصل إلى ذروة النص وعقدته، كما كان متخللًا ومتنقلًا بين الماضي والحاضر والمستقبل ،وقد صنعت هذه الهيمنة من تواشج الخطاب في أول النص مع السرد باستخدام ضمير المتكلم في ص ١٧٢، فضلًا عن سلطة الراوي على المروى عليه والتي تقاطعت مع سلطة رجال الدين ممثلة في الملا فالح على أبناء البلدة.
" يصنع البشر الكلام، فيصنع الكلام البشر"
ولأنها سردية الهيمنة في تكوينها فمثلما فرض الزمان هيمنته وتجاوز بها الأشكال الاجتماعية محدثًا تغيرات جذرية في الأثر كسنة الطفحة وسنة الهدامة وسنة الجدري ، وسنة القطط السمان، ومثلما كانت الهيمنة للساسة ورجال الدين، كانت البنية السردية مهيمنة على البنية الحوارية ومتفوقة عليها إذ جاءت شارحة ومفسرة للكثير من الإشكاليات، بفضل الزمان الذي أعطى اتساعًا لها من حيث العودة إلى الحاضر والارتداد عنه، والتطلع إلى المستقبل، بالإضافة للهيمنة الأكبر التي تمثلت في النقلة الاقتصادية من التجارة وصيد اللؤلؤ إلى النفط واستخراجه ومن ثم تغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فكنا أمام عدة صور للهيمنة، هيمنة البنية السردية على البنية الحوارية، هيمنة رجال الدين على أبناء البلدة، هيمنة رجال السياسة على الدولة، هيمنة النفط على اللؤلؤ، هيمنة تطلعات مساعد وطموحاته على واقعه، هيمنة السلطة على الثروة، هيمنة الواقع على الاسقاط والرمز.
وعن التفاعل الحيوي بين الزمان والمكان فقد كان مؤثرًا وحيويًّا في نقل صورة واقعية حية للبيئة الكويتية فترة الثلاثينات بكل ما اشتملت عليه من أبعاد ديموجرافية وأنثروبيولچية.
العمل في مجمله نقلة نوعية في أدب الحمادي ، ونقطة توثيقية لفترة فارقة في تاريخ الكويت تخللها بعض من الخيال، وإضافة إلى أعمال تناولت تلك الفترة بشكل أدبي.
0 تعليق