المعادن الحيوية في أوكرانيا تدعم تعافيها اقتصاديًا بعد الحرب (مقال)

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اقرأ في هذا المقال

  • • يمكن العثور على نحو 20 ألف نوع مختلف من المكامن المعدنية في أوكرانيا
  • • أوكرانيا تُعدّ واحدة من أكبر منتجي التيتانيوم في العالم، ولديها أكبر مكامن في أوروبا
  • • احتياطيات أوكرانيا من الغرافيت تمثّل 20% من موارد العالم
  • • قدرة أوكرانيا على استغلال مواردها المعدنية تضررت بشكل كبير بسبب الحرب

من المرتقب أن تسهم موارد المعادن الحيوية في أوكرانيا بدعم تعافي البلاد اقتصاديًا بعد الحرب مع روسيا، التي ألحقت أضرارًا جسيمة بهذا القطاع.

ونظرًا للتوترات الجيوسياسية والحاجة المتزايدة إلى المعادن اللازمة للتكنولوجيا الخضراء، فقد اجتذبت الموارد المعدنية الحيوية في كييف المزيد من الاهتمام من جميع أنحاء العالم.

وتتمتع أوكرانيا، ثاني أكبر دولة في أوروبا، بموارد معدنية وفيرة، بما في ذلك كميات كبيرة من النيكل والكوبالت والغرافيت والعناصر الأرضية النادرة والليثيوم والتيتانيوم.

واعتمادًا على موارد المعادن الحيوية في أوكرانيا، قد تؤدي الدولة دورًا مهمًا في سلسلة التوريد العالمية للمعادن الأساسية، حيث توفر بديلًا لكبار المورّدين، وتدعم محاولات الدول الغربية لتنويع مصادرها بعيدًا عن روسيا والصين.

وفرة المعادن الحيوية في أوكرانيا

تجعل وفرة المعادن الحيوية في أوكرانيا البلاد تتمتع بمكانة عالمية محتملة في سوق المعادن المرغوبة بشدة، بسبب احتياطياتها الواسعة من هذه المعادن.

يمكن العثور على نحو 20 ألف نوع مختلف من المكامن المعدنية في البلاد، التي تشكّل نحو 5% من جميع الموارد المعدنية في جميع أنحاء العالم، إذ يُعدّ التيتانيوم والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة والغرافيت والكوبالت والنيكل أمثلة مهمة على ذلك.

وتُعدّ أوكرانيا واحدة من أكبر منتجي التيتانيوم في العالم، ولديها أكبر مكامن في أوروبا (7% من الاحتياطيات العالمية)، وتمتلك البلاد أكبر مكامن الليثيوم في أوروبا، بنحو 500 ألف طن من الاحتياطيات المؤكدة.

مشروع بوكروفسكا للطاقة الشمسية في شرق أوكرانيا
مشروع بوكروفسكا للطاقة الشمسية في شرق أوكرانيا – الصورة من مجلة بي في ماغازين

إضافة إلى ذلك، تُعزَّز الأهمية الإستراتيجية لموارد المعادن الحيوية في أوكرانيا في المشهد العالمي، من خلال مكامن المعادن الأرضية النادرة لديها، بما في ذلك الكوبالت والنيكل والبريليوم والغاليوم والزركونيوم.

وتترسخ مكانة أوكرانيا بصفتها قوة معدنية حيوية من خلال احتياطياتها من الغرافيت، التي تمثّل 20% من موارد العالم.

أهمية المعادن الأساسية في أوكرانيا

تتجلى الأهمية الإستراتيجية لأوكرانيا في أن المعادن الأساسية ضرورية للعديد من القطاعات المختلفة.

ويُعدّ الليثيوم ضروريًا لتصنيع البطاريات، خصوصًا في السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة المتجددة، بينما يساعد التيتانيوم صناعات مثل قطاعات السيارات والطب والفضاء.

ويُستعمل البريليوم في الطاقة النووية والدفاع، في حين إن العناصر الأرضية النادرة مثل الغاليوم ضرورية للرقائق الإلكترونية ومصابيح الليد.

إضافة إلى ذلك، تُعدّ المعادن الحيوية في أوكرانيا، مثل المنغنيز وخام الحديد، ضرورية لإنتاج الصلب الأخضر الذي يتوافق مع معايير الاستدامة الدولية.

تجدر الإشارة إلى أن نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا و33% من صادراتها جاءت من قطاع التعدين والمعادن قبل الغزو الروسي.

ومع التركيز على جذب الاستثمار الدولي وتعزيز الإنتاج، خصوصًا الغرافيت والنحاس والليثيوم -وجميعها ضرورية لتطوير التقنيات والتحول إلى الطاقة الخضراء-، تأمل البلاد في إحياء هذه الصناعة بعد الحرب.

خط إنتاج بطاريات الليثيوم أيون بمدينة دينغولفينغ في ألمانيا
خط إنتاج بطاريات الليثيوم أيون بمدينة دينغولفينغ في ألمانيا – الصورة من بلومبرغ

التحديات والفرص

على الرغم من امتلاك ثروة هائلة من المعادن الحيوية في أوكرانيا، فإنه من الصعب الاستفادة منها على النحو اللائق.

فقد أدت المواجهة المستمرة مع روسيا إلى حالات تعطُّل في سلسلة التوريد، وتدمير البنية الأساسية، والاضطرابات الصناعية.

وقد تفاقمت هذه المشكلات بسبب استيلاء روسيا على مناطق مهمة غنية بالمعادن، ولكن هذا الوضع يمنح أوكرانيا فرصة لترسيخ مكانتها حليفًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يتطلعان إلى تنويع إمداداتهما المعدنية بعيدًا عن روسيا والصين.

ويمكن لأوكرانيا أن تحوّل قطاعها المعدني الحيوي إلى عنصر حاسم في تعافيها الاقتصادي وإستراتيجيتها الجيوسياسية بعد الحرب، من خلال إعطاء الأولوية للاستثمارات في تكنولوجيات التعدين، وتطوير البنية الأساسية، والتحالفات الدولية.

تأثير الحرب في استغلال الموارد المعدنية

تضررت قدرة أوكرانيا على استغلال مواردها المعدنية بشكل كبير بسبب الحرب، وفقدت البلاد القدرة على الوصول إلى الموارد الحيوية، مثل 65% من الفحم، و33% من مكامنها المعدنية، و42% من معادنها، بسبب سيطرة روسيا على المناطق الغنية بالمعادن في شرق البلاد وجنوبها.

إلى جانب ذلك، عاقت عملية استخراج وتصدير هذه الموارد بشكل كبير البنية التحتية المدمرة للتعدين والنقل، وبسبب إغلاق موانيها الرئيسة، اضطرت أوكرانيا إلى التصدير عبر طرق قطارات أبطأ وأكثر تكلفة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وإطالة أوقات التسليم.

وأدى الغموض الاستثماري الناجم عن الحرب إلى تثبيط عزيمة المستثمرين المحليين والأجانب عن الالتزام بمبادرات جديدة أو تطوير البنية التحتية.

وتُعدّ صناعة الألومينيوم واحدة من الصناعات التي انخفض فيها الإنتاج بشكل ملحوظ، بين عامي 2021 و2022، وتراجع ترتيب أوكرانيا العالمي من المرتبة الـ8 إلى الـ16.

وأصبحت أوكرانيا الآن أقل قدرة على المنافسة في السوق العالمية للمعادن الأساسية نتيجة لذلك.

وعلى الرغم من هذه العقبات، فإن حكومة أوكرانيا ملتزمة بتنمية صناعة التعدين بِعَدِّها عنصرًا حيويًا في تعافيها الاقتصادي بعد الحرب واندماجها في شبكات الإمداد الدولية.

وترغب أوكرانيا في استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز علاقاتها الجيوسياسية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من خلال التركيز على المعادن مثل الليثيوم والتيتانيوم والغرافيت.

منجم التيتانيوم بمدينة فيلنوهيرسك في منطقة دنيبروبيتروفسك بأوكرانيا
منجم التيتانيوم بمدينة فيلنوهيرسك في منطقة دنيبروبيتروفسك بأوكرانيا – الصورة من صحيفة كييف بوست

آثار الحصار في صادرات المعادن الأوكرانية

تضررت صادرات أوكرانيا المعدنية بشدة بسبب الحصار الروسي لموانيها على البحر الأسود.

واضطرت أوكرانيا إلى التحول إلى النقل بالسكك الحديدية بعد قطع ممراتها البحرية، ما أدى إلى زيادة كبيرة في التكاليف اللوجستية وتباطؤ الصادرات.

وأدى الاعتماد على شبكات السكك الحديدية التي تعبر الدول المجاورة مثل بولندا ورومانيا، إلى انخفاض الموارد وجعل التصدير أكثر صعوبة.

بالإضافة إلى ذلك، نتج عن القيود في مراكز العبور الأوروبية تأخيرات وانخفاض أحجام الصادرات.

إلى جانب إعاقة التجارة، أدت هذه القضايا اللوجستية إلى إضعاف سمعة أوكرانيا بصفتها موردًا جديرًا بالثقة للأسواق الدولية.

وانخفضت صادرات إنتاج الصلب من نحو 20 مليون طن في عام 2021 إلى 5 ملايين طن متوقعة في عام 2023، بانخفاض 80%، في حين انخفضت صادرات الخامات المعدني بنحو 60% عام 2022.

بدوره، تسبَّب الحصار بعرقلة قدرة أوكرانيا التنافسية في الأسواق الدولية للصلب وخام الحديد، وهما صناعتان كانتا في السابق محركَين مهمين لاقتصادها.

ردًا على ذلك، أنشأت أوكرانيا قنوات بديلة للخدمات اللوجستية، مثل النقل بالقوارب في نهر الدانوب وشبكات السكك الحديدية والطرق المرتبطة بمراكز العبور في الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من هذه المساعي، ما تزال هناك عقبات، مثل النفقات اللوجستية الباهظة، والقيود المفروضة على سعة عبور الحدود، ومقاييس السكك الحديدية المتباينة، لاستعادة قدرات التصدير بالكامل إلى مستويات ما قبل الحرب، ولتحديث هذه القنوات، هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة.

فرز الفحم في أحد المناجم بمنطقة دونباس شرق أوكرانيا
فرز الفحم في أحد المناجم بمنطقة دونباس شرق أوكرانيا – الصورة من واشنطن بوست

تطوير التقنيات الخضراء

بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تُعدّ المعادن الحيوية في أوكرانيا ذات أهمية إستراتيجية، لأنّ كلا البلدين يتطلعان إلى تطوير التقنيات الخضراء وتقليل حاجتهما للحكومات الاستبدادية، مثل الصين وروسيا.

تُعدّ الموارد المعدنية ضرورية للقطاعات الأساسية لطموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التقنية والمناخية، بما في ذلك الدفاع والطاقة المتجددة وتصنيع البطاريات.

وعلى الرغم من أن تنويع سلاسل التوريد يُعدّ أمرًا ممكنًا بفضل ثراء أوكرانيا بالمعادن، فإن تحقيق هذه الإمكانات سيتطلب التغلب على العقبات التي تفرضها الحرب الحالية.

في عام 2021، وقّع الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا تعاونًا إستراتيجيًا في مجال المواد الخام، بهدف دمج أوكرانيا في شبكات المعادن الحيوية المتوسعة في أوروبا وسلسلة قيمة البطاريات.

ورغم الصعوبات، فإن الدول الغربية ملتزمة بمساعدة صناعة المعادن في أوكرانيا على تعزيز إعادة تأهيلها بعد الحرب، وضمان أمن الإمدادات المعدنية الحيوية لبقية العالم.

الخلاصة

تتمتع الموارد الطبيعية الحيوية في أوكرانيا بإمكانات هائلة لتعزيز العلاقات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وللتعافي الاقتصادي في البلاد بعد الحرب.

وتسهم احتياطيات أوكرانيا الهائلة من التيتانيوم والليثيوم والعناصر الأرضية النادرة والمعادن الأخرى في جعلها لاعبًا مهمًا محتملًا بسلسلة التوريد العالمية للتكنولوجيات الخضراء والمواد الخام الحيوية.

يأتي ذلك على الرغم من الصعوبات الناجمة عن الحرب المستمرة مع روسيا، بما في ذلك الإنتاج المتقطع، والبنية الأساسية التالفة، والعقبات اللوجستية.

وسوف تحتاج أوكرانيا إلى استثمارات كبيرة في البنية الأساسية، ومساعدات دولية مستمرة، وتغييرات تنظيمية للوصول إلى إمكاناتها الكاملة.

وفي حال تطويرها بشكل فعال، فقد تكون صناعة التعدين في أوكرانيا عنصرًا رئيسًا في تحولات التكنولوجيا الخضراء في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يعزز مكانة أوكرانيا شريكًا إستراتيجيًا في تأمين مصادر مستدامة للمعادن الحيوية.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق