عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع سعودي فايف نقدم لكم اليوم "الأحوال الشخصية" في العراق.. مواجهة بين الطائفية وحقوق المرأة - سعودي فايف
يشهد العراق جدلاً محتدماً بشأن مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، الذي يُعتبر أحد أكثر القوانين تقدماً في تاريخ البلاد.
ويهدف التعديل إلى تقنين زواج الفتيات في سن التاسعة ضمن المذهب الشيعي، مع توسيع صلاحيات المرجعيات الدينية في قضايا الأسرة.
قرار التعديل أثار ردود فعل واسعة بين مؤيد يرى فيه احتراماً للمعتقدات، ومعارض يحذّر من تداعياته الاجتماعية والحقوقية.
قانون في مواجهة الطائفية
يُشكل قانون الأحوال الشخصية الحالي مرجعية موحدة لجميع العراقيين، مع حد أدنى للزواج عند 18 عاماً واستثناءات محددة تخضع لموافقة قضائية. أما التعديلات المطروحة، فتسمح لكل طائفة بتطبيق قوانينها الدينية، ما يعزز الانقسامات المجتمعية.
عضو مجلس النواب العراقي، عامر الفايز، قال لـ"الشرق" إن الكتل البرلمانية تُجري مشاورات لتمرير قوانين مثيرة للجدل، مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية، ضمن ما يُعرف بـ"السلة الواحدة" التي تشمل أيضاً قوانين العفو العام وإعادة العقارات.
تصاعد الاحتجاجات الشعبية
الشارع العراقي يشهد تصعيداً في المعارضة. ففي ساحة التحرير، تظاهر مئات النساء والشباب، رافعين شعارات مثل "حقوق أطفالنا ليست للمساومة"، فيما أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وسم (#طفولة_ليست_زواجاً) الذي لاقى انتشاراً واسعاً.
وقالت الناشطة الحقوقية لينا الدليمي: "إذا أُقر هذا القانون، فإنه يُمثّل ضربة لحقوق المرأة والطفولة، ويعيد العراق خطوات إلى الوراء. سنشهد موجة جديدة من الزواج المبكر تحت غطاء الشرعية".
من الواقع!!
في محافظة ميسان، تشير الإحصاءات إلى أن 43% من النساء تزوجن قبل بلوغهن 18 عاماً. "هند"، التي زُوجت بعمر 14 سنة، تلخص معاناة الفتيات. تقول: "كنت أحلم بأن أكون معلمة، لكن زواجي المبكر حطم كل أحلامي".
أما "هبة"، التي تزوجت في عمر 15 سنة من رجل يكبرها بـ25 عاماً، فتروي معاناتها مع العنف الأسري: "لم يكن لي رأي. والدي قرر مصيري. اليوم أتمنى فقط أن أعود بالزمن وأغير حياتي".
الفقر وتعزيز الزواج المبكر
الأزمة الاقتصادية المزمنة" في العراق، المتفاقمة بسبب الفساد والنزاعات، دفعت عائلات كثيرة إلى تزويج بناتهم للتخفيف من الأعباء المالية. الناشطة فاطمة عباس من البصرة تؤكد: "الفقر يجبر العائلات على اتخاذ قرارات قاسية. الزواج المبكر ليس خياراً، بل وسيلة للبقاء".
وتشير بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إلى أن 28% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عاماً قد تزوجن قبل بلوغهن 18 عاماً في العراق، بينما 7% منهن تزوجن قبل سن 15. هذه الأرقام تكشف واقعاً مقلقاً، خاصة في المناطق الريفية، حيث يدفع الفقر والعادات الاجتماعية العائلات إلى تزويج بناتهن مبكراً.
التزامات دولية وتأثير إقليمي
بصفته مُوقِّعاً على اتفاقية حقوق الطفل، يلتزم العراق بحماية الفتيات من الممارسات التي تهدد حياتهن ومستقبلهن، لكن التعديلات المقترحة تُعرّض البلاد لانتقادات دولية.
على المستوى الإقليمي
ففي الوقت الذي يناقش فيه العراق هذه التعديلات، قامت دول مجاورة بخطوات جريئة لحماية الفتيات:
- السعودية: رفعت الحد الأدنى للزواج إلى 18 عاماً عام 2019 كجزء من إصلاحات اجتماعية واسعة.
- الأردن: رغم السماح ببعض الاستثناءات، يظل سن الزواج القانوني 18 عاماً، مع رقابة قضائية صارمة.
- تونس: تُعتبر مثالاً يُحتذى به في تطبيق قوانين حماية الطفولة ومنع الزواج المبكر.
على الجانب الآخر، لا يزال اليمن يواجه أزمة زواج القاصرات نتيجة النزاعات والفقر المدقع، مما يجعله نموذجاً يثير القلق مما يمكن أن يحدث في العراق إذا أُقر القانون الجديد.
مجلس القضاء الأعلى يوضح
رداً على الانتقادات، أعلن مجلس القضاء الأعلى، في بيان، أن التعديلات لا تهدف إلى تزويج القاصرات أو حرمان النساء من حقوقهن، موضحاً أن القانون الجديد يعتمد على المادة 41 من الدستور العراقي، التي تتيح للأفراد اختيار المذهب الذي تطبق عليه أحكام الأحوال الشخصية.
معركة مجتمعية حاسمة
وبينما يناقش البرلمان التعديلات، تزداد المطالبات برفض القانون من قِبَل ناشطين وتحالفات مدنية، مشيرين إلى أن القانون يكرس للطائفية ويهدد حقوق المرأة والطفولة.
وقالت الناشطة علياء كريم: "هذه ليست معركة لحماية الفتيات فقط، بل لحماية مستقبل العراق كمجتمع موحد".
قرار البرلمان مصيري
الجدل بشأن تعديل القانون يعكس صراعاً أعمق بين قوى تسعى إلى تعزيز الطائفية وأخرى تدافع عن وحدة المجتمع وحقوق المرأة.
القرار الذي سيتخذه البرلمان سيحدد مسار العراق لسنوات قادمة، إما نحو مزيد من الانقسام وتعزيز نفوذ الأحزاب الطائفية المتشددة أو نحو إصلاح يعزز العدالة والمساواة.
0 تعليق